الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

خطـاطـون خالدون في ذاكرة المدينة المهندس عبدالرزاق الحمداني



خطـاطـون خالدون في ذاكرة المدينة

                                                                                                           المهندس عبدالرزاق الحمداني
                                                                                      
     حينما كانوا يتجاذبون أطراف الحديث على إحدى مصاطب حديقة الشهداء العريقة في الموصل مابين الاعوام (1973-1978) عن الخط العربي وأنواعه

 

(جانب من افتتاح معرض الخط العربي التاسع المقام على قاعة الفتوة النموذجية  في تربية نينوى/ 6 كانون الثاني سنة 1975 ويظهر في الصورة العلامةالمرحوم الدكتوراحمدعبد الستار الجواري (وزير التربيةالسابق/وزير الدولة آنذاك)والاستاذ يوسف ذنون وكاتب هذه السطور)        .      



) السادة من اليمين باسم ذنون، عبد الرزاق الحمداني، بشير محمد، مروان الحربي، حارث محمد زكي، يوسف ذنون، محمد الزبيدي، طالب العزاوي، عبد الكريم الرمضان، محمد البلداوي، محمد نجيب جميل  ، أياد الحسيني - المعرض القطري الثالث بغداد8 شباط 1975)


السيد محافظ نينوى الاستاذ فليح حسن الجاسم يسلم الطالب عبدالرزاق الحمداني هدية كتاب مصور الخط العربي
كونه من الطلاب الاوائل  في معرض الخط العربي الثامن بتربية نينوى  31 كانون الثاني 1975

احدى لقاءات الخط ودروسه بحديقة الشهداء الجلوس من اليمين (محمد عبدالوهاب وزكريا عبدالقادر(يرحمه الله) وكاتب السطور
وقتيبة سالم عبدالرزاق والاستاذ علي الراوي (يرحمهم الله ) 
 والخطاطين وامشقهم وأعمالهم وأساليبهم وعندما كان يخرج احدهم المحبرة الصغيرة الموضوعة في جيب سترته الأيسر العلوي الصغير ويستل الريشة ليكتب حرفا أو اتصال لاحد الحروف ويقوم الثاني بالتعليق أو التصحيح أو التسقيط ويتدخل الثالث ليفض الحديث عن هذه المسالة في تلك الدقائق والساعات من تلك الأيام الخالية في هذه الحديقة العجيبة والبديعة قبل أكثر من ربع قرن، لم يكن يدر في خلدهم أن منهم من سينضم إلى قافلة ضمت من سبقوهم من الخالدين وسيصبحون يوما من الشهداء الذين روت دماؤهم ارض العراق الطاهرة ليبقى كل من يعيش فيه مرفوع الرأس قوى الشكيمة عالي الهمة مثلا لصلابة العراقيين الاباة على مر العصور والتاريخ .
     كانوا مجموعة من الشباب جمعهم هم وعشق واحد بل طريق وقاسم مشترك ومسار واحد هو الحرف العربي وفنونه وكتاباته وسحره ومبدعيه وأقطابه ، وكان عشقهم لهذا الحرف المعجزة يزداد كل يوم ، هذا الحرف الذي هو في نظر عاشقيه بقى يلج في غلواء ، الحرف الذي في نظر محبيه الشعلة الذي حير العلماء ، وهو يتلجلج ويلمع في لوحة تضم آيات قرآنية كريمة أو حديثاً نبوياً شريفاً أو حديثاً قدسياً أو أبياتاً شعرية من قصائد عصماء مختارة أو أبياتاً صارت تضرب مضرب الأمثال والحكمة .
     هؤلاء الفتيـة من الشباب الخطاطين الطلاب كانوا يحملون الاسماء التالية :
 قتيبة سالم عبدا لرزاق ، أياد حسين الحسيني ، بشير محمد ، صالح محمد عبدا لله ، حارث محمد زكي ، عبدا لرزاق الحمداني ، مروان خضر الحربي ، أكرم صبيح السراج ،  زكريا عبدا لقادر حمودي.
     كانت لقاءاتهم الأولى في دورة خط الرقعة التي افتتحت على قاعة مسرح الاعدادية الشرقية بالموصل شهر شباط 1970 ودرس فيها الخطاط الاستاذ يوسف ذنون وقد انضم إلى هذه الدورة معظم الخطاطين الطلبة أو الذين يجدون في أنفسهم ميلاً للخط أومن الذين يريدون أن يتعرفوا على أسرار الخط حينها  هؤلاء الطلاب هم
 الذين أصبحوا فيما بعد جيل الخطاطين الحالي في مدينة الموصل ، ظل هؤلاء القلة يواصلون الليل بالنهار في
تقصي أسرار الحرف العربي وتتبع خطواته من خلال البحث في كراريس الخطاطين
القدامى وتقليدهم واتخاذهم قدوة في الاعمال الفنية ومحاكاتها ، كانوا طلابا في ثانويات وإعداديات الموصل العديدة وكما نرى : حارث وبشير وصالح في إعدادية عمر بن الخطاب ، إياد في الاعدادية الغربية ، وقتيبة في ثانوية الدراسات الاسلامية ، وعبدا لرزاق في إعدادية المستقبل ، وزكريا في الاعدادية الشرقية ، ومروان في الاماني المسائية ،وأكرم في متوسطة الفاروق
كانت أيامهم تنقضي على النحو التالي : صباحا التبكير لحضور الدوام الاعتيادي في المدرسة ، بعد العودة للبيت وتناول الغداء وإكمال تحضير بعض الواجبات المدرسية ، وبعد صلاة العصر يكون اللقاء في حديقة الشهداء ، ليروي كل منهم ما يراه من منطق الحياة التي يعيشها والدروس التي يكتسبها ويستنبطها والتجربة المشبعة التي يخوضها ، وكانت الأوراق التي كتبت عليها الحروف واتصالاتها والدفاتر الحاوية لها بأياديهم جميعا ، فكان منهم من يتبارى ويظهر قوة حرفه وتقدمه على أقرانه في كتابته للوحة مقلدا بها أحد الاساتذة من الخطاطين القدامى ، ويحدث الاخر عن أسلوب الخطاط الفلاني وقوته وهكذا مرت الايام...... 
وكان من النهج الذي اختطته تربية محافظة نينوى متمثلا في شخص مديرها القدير السيد عبدالقادر عزا لدين حمودي إقامة معرض سنوي لمدارسها المتوسطة والاعدادية جميعا في عيد الجيش العراقي من كل عام ، لتنقل لوحات هذا المعرض المتقدمة فيما بعد من قبل النشاط المدرسي إلى المعرض القطري في بغداد ، وكان المشرف على الخط العربي والرجل الذي يعمل بكل همة ونشاط في مديرية النشاط المدرسي الاستاذ الخطاط يوسف ذنون .
     لقد تم تنظيم المعرض السنوي التاسع في (6 كانون الثاني 1975) للخط العربي لتربية محافظة نينوى على قاعة مدرسة الفتوة النموذجية(والمنشورة صورة نشرته مع هذه الأسطر) وبرزت في هذا المعرض لوحات قيمة وجديرة بالوقوف عندها لهذا النفر من الشباب المثابر وكانت لوحات المتميزين منهم هي لوحات التلاميذ الخطاطين  :
 بشير محمد ، حارث محمد زكي ، أياد  الحسيني ، عبد الرزاق الحمداني ، أكرم السراج ، فرح عدنان احمد عزت .
 وكان الطلبة الجيدون : صالح محمد عبد الله ، احمد دخيل ، نبيل الشعار ، عبد لله يوسف ، حسان مظفر  وآخرين.
   وقد  تم تكريم المتميزين منهم من قبل السيد المحافظ ، وكانت الهدية هي الاخرى جديرة بالاهتمام وتدفع بالخطاطين الشباب نحو الامام ، إنها كتاب مصور الخط العربي لمؤرخ الخط (العراقي ناجي زين الدين المصرف) .
 كانت هناك فكرة لزيارة المعرض القطري الثالث الذي سيقام في بغداد شهر شباط سنة 1975 على قاعة متحف الفنون التشكيلية المدرسي في الوزيرية , وفي احد الايام وبعد انقضاء المعرض السنوي التاسع للمحافظة مباشرة وجدنا أنفسنا نغادر بسيارات المنشأة باتجاه بغداد دون سابق موعد مع مجموعة من الاساتذة الذين يعنون بشؤون الخط وهم الخطاطون: إبراهيم فاضل المشهداني ، باسم ذنون ، محمد نجيب جميل ، طالب العزاوي ، ويوسف ذنون  .
 ذهبنا إلى قاعة متحف الفنون التشكيلية في الوزيرية حيث يقام المعرض القطري الثالث الذي كانت لوحاته قد أعدت في اليوم السابق وعرضت بطريقة جيدة ، فلكل تربية محافظة قاطع واللوحات كثيرة ومتنوعة ، وفيها لوحات مميزة ، وفيها ما يثير إعجاب ودهشة الزائر ، وكانت للوحات هؤلاء الشباب الحظ الأوفر في المعرض ، وأظهرت نتائج المعرض القطري الثالث التي أعلنتها لجنة التحكيم المكونة من الأساتذة الفنانين والخطاطين كل من :  
المرحوم د.سلمان إبراهيم ،د صلاح شيرزاد ، المرحوم الحاج محمد البلداوي ، المرحوم إسماعيل الشيخلي ، الحاج صادق الدوري ، الاستاذعبدالكريم الرمضان ، والاستاذ الخطاط يوسف ذنون ، فوز تربية محافظة نينوى بتفوق باهر بالمركز الأول على محافظات القطر.
     كان هذا المعرض فرصة جديرة بالاهتمام فقد أقيم في وقت كان الخط فيه في بغداد يمر بمحنة كبيرة فقد مضى على وفاة المرحوم الأستاذ هاشم البغدادي أكثر من سنة وخطاطي بغداد في حيرة من أمرهم وهناك فراغ فني كبير في عاصمة الرشيد ، وكان هذا أيضا جزء من حديث المرحوم ناجي زين الدين المصرف عند زيارتناله خلال أيام المعرض ، وبدأ الرجل يتحدث عن الخط كما يتحدث عن احد أولاده ، وابدى ملاحظات عن الخط والخطاطين من وجهة نظره وهو الذي عايش المرحوم صبري الهلالي فترة طويلة وشاهد كتاباته عن قرب ، كما شاهد وعايش المرحوم هاشم البغدادي ، وحدثنا كذلك عن زياراتهته لاستانبول ولقائه باخر سلسلة الخطاطين العظام الاستاذ حامد الامدي( يرحمه الله )  .
 كما التقينا وعلى هامش المعرض مجموعة طيبة من الخطاطين من محافظات القطرالاخرى ومن ضمنهم لجنة التحكيم،ووثقت هذه اللقاءات بصور فوتوغرافية بعدسة الزميلين إياد الحسيني والتي نشرها المرحوم د.عبدا لعزيز عبدا لله محمد في كتابه (يوسف ذنون) مدرسة الابداع في الخط العربي والأخرى بعدسة الزميل إبراهيم فاضل المشهداني والتي تنشر هنا للمرة الاولى .
 كانت لنا زيارات إلى شارع القرطاسية والمطابع والمكتبات المعروف شارع المتنبي ، اقتنينا كراسات عن الخط العربي عديدة ، وكانت مغادرتنا وعودتنا للفندق متكررة لوضع هذه المواد من المشتريات في حقائبنا ، وهكذا مرت الامسيات وانقضت وكانت سفرة لم تكن الايام لتجود بمثلهافيما بعد وستبقى ذكراها العطرة محفورة في ذاكرتنا

     إن من حق هؤلاء الشباب علينا أن نستذكر أيامنا معهم ونستذكر مواقفهم وخطوطهم وإبداعاتهم،وان من حقهم علينا ونحن نوثق لتاريخ الخط العربي في الموصل ، أن نعرف القاري الكريم ببطاقاتهم الشخصية ونقول لهم "إنكم أصبحتم في ذمة الخلود لكنكم تعيشون معنا"وسوف نبدأ بأقدمهم رحيلا عنا فنقول وبالله المستعان