الجمعة، 30 مايو 2014

الخطاط الشــــيخ فـــــــــائق الـــــــــــدبوني


الخطاط الشــــيخ فـــــــــائق الـــــــــــدبوني (1889-1961م) :

                                                                                                المهندس عبد الرزاق الحمداني
فائق صالح عبد القادر يونس الدبوني العبادي (يرحمه الله)  
 , كان عالماً وكاتبا وخطاطا واحد رواد الحركة الفكرية في الموصل
 منتصف القرن العشرين , وممن اتسموا بالخلق الرفيع وصدق العلاقة والوفاء مع أصدقائه ومحبيه .. شجاعا ولا تأخذه في الحق لومة لائم , ذو بلاغة وفصاحة فشب خطيبا بارزا مؤثرا في المصلين .. عرف بالدعوة للإصلاح والتمسك بتعاليم الإسلام ونشر مفاهيمه وقيمه العالية ورغم شيخوخته الدينية تميز بسيدارته وكان يتخذ لباس الأفندية([1]) في أخريات أيامه وعرف بين الناس بـ (فائق أفندي ) , ويسرني أن أقدم في هذا البحث شيئا عن سيرة وحياة وجهاد ومشوار هذا الشيخ الجليل والمربي الفاضل والكاتب الخطاط الذي يعد بحق حلقة وصل بين جيلين من الخطاطين في مدينة الموصل  وليطلع جمهورنا والمهتمين بالثقافة في مدينة الموصل  والنشأ من أبنائنا  من خلال سيرته العطرة على واحدة من سير شيوخنا ومفكرينا وعلمائنا الأعلام وخطاطينا وكتابنا لتكون منارا لهم  ويعم النفع بها ..


والده صالح بن عبد القادر بن يونس الدبوني (1847- 1937م)  كانت ثقافته دينية , دخل المدارس الرسمية وأصبح من موظفي الدولة العثمانية([2]) , عمل بوظيفة مالية في ديوان ولاية الموصل (وآخر ماتقلده من وظائف: مدير واردات) ، كان له مجلس في بيته بمحلة جامع خزام وكان مجلسه يجتذب السياسيين العراقيين الذين كانوا يزورون الموصل  ، 
وهو عميد الأسرة الدبونية التي تنحدر في أصولها من الأسر العربية الصيّادية الرفاعية (السادة العبادة(  حسب ما أشار إليه موقع المجمع العالمي لأنساب العرب الالكتروني على شبكة الانترنت , والدبوني([3]) نسبة إلى دبون ، ودبون كلمة تركية اوغوزية مؤلفة من مقطعين وتعني "النسب الكبير" أو العالي .

 مترجمنا هو ( فائق بن صالح بن عبد القادر بن يونس بن قاسم بن حسن بن يونس بن درويش بن محمد بن الأمير عامر بن شولي بك بن علي الهاشمي الكبير بن محمد بك بن أحمد بن خضر بن يوسف ابن خضر بن بدر الدين بن تاج الدين مبارك بن سيف الدين عثمان بن السّلطان علي الكبير بن يحيى النقيب بن ثابت بن الحازم علي أبو الفوارس بن أحمد الثّاني بن علي أبو الفضائل بن حسن رفاعة بن مهدي المكي الكبير بن محمد أبو القاسم بن حسن القاسم بن الحسين المحدّث بن أحمد الصّالح الأكبر بن موسى الثّاني أبو سبحة بن إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام) , كما أنه يطلق على آل الدبوني ويعرفون  بآل درويش , أعقب جدهم السيّد درويش ثلاثة رجال هم :
علي ويونس وجرجيس، والأخير انقرضت ذريته, أما علي ويونس فيمثلهم السيّد ثائر بن السيد هاشم بن السيّد فائق بن السيّد صالح بن عبد القادر بن يونس ,  ولد  مترجمنا في الموصل سنة (1889م) ,ولكون عائلته من العوائل الميسورة في المدينة ، فقد تربى في كنف والده وعاش عيشة هنية, ورعاه والده وواكب تربيته تربية دينية إسلامية ([4]) , وغرس في نفسه حب العلم والاستزادة من الثقافة, وكان في مكتبته أحد عشر كتابا([5]).
 دراسته وطلبه للعلم على شيوخه :
وفي بداية حياته ادخله والده المدرسة الرشدية بالموصل (وهي من المدارس الحكومية الرسمية التي أقامها العثمانيون في الموصل ) ..  فدرس في المدرسة الرشدية ([6]) وبعد إنهاء دراسته فيها ،درس مبادئ علوم الشريعة الإسلامية على الأستاذ الشيخ صالح الجهادي(المعروف بمهنته صالح البربر"الحلاق").
وانصرف  الشيخ الدبوني([7]) إلى الدراسة وتعلم اللغات وأتقن اللغتين التركية والفارسية إضافة إلى العربية, اتقانا كاملا , و أطلع على اللغة الكردية والإنكليزية وشيء من الفرنسية .. وكتب الكثير من المقالات والإشعار في الأدب الفارسي والأدب الصوفي, وأهتم بعلم الأنساب و كانت له مجموعة من القصائد الشعرية لم يتسن له نشرها ويبدو للمتتبع أنها فقدت لاحقا..
ومترجمنا هو من العلماء الأعلام العاملين والموجهين والمرشدين المعروفين في الموصل، العام (1921) اتصل بالشيخ ألرضواني  ودرس عليه علوم الشريعة وأجازه فيها وقد خصه بعلوم كثيرة أستخلفه فيها لتضلعه بالتصوف والطرق الصوفية وكان حجة([8])بموضوع(دلائل الخيرات) وأخذ عنه خلق كثير في هذا العلم ,وله قصة ( مشهورة مع شيخه الرضواني وحادثة سقوط سقف غرفته بالمحاكم بموقعها القديم قبالة جامع النبي شيت(عليه السلام) معروفة ومشهورة) ، ودرس علم الحديث روايته وأصوله على الشيخ احمد الجوادي وأجازه فيها ، والتجويد بقراءة حفص عن عاصم على الشيخ محمد صالح الجوادي([9]) وأجازه فيها (وقد وهم المختار في كتابه تاريخ علماء الموصل ,ص:46 حينما ذكره بقوله(أجيز  في القراءات السبع القرآنية من قبل الشيخ محمد صالح الجوادي ) ،كما درس الخط على  أستاذ الخط المعروف في المكتب الإعدادي احمد محمد طاهر عبدا لله الصائغ والذي أجازه في أنواع الخط العربي, ومع هذا التحقيق نموذج له بخط النسخ([10]) وهو حديث (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس) ونموذج آخر صفحتين ( بخط الرقعة لكتاباته من رباعيات عمر الخيام ) اخترتها من مخطوط للرباعيات كتبه بخط يده بحروف جميلة وبحجم صغير وبديع  ,ونموذج ثالث بيتين من الشعر(كن عن همومك معرضا)والنماذج الثلاثة مكتوبة بقلم عادي وليس قلم خط أو قصبة عريضة وهي تميل لكونها كتابة عادية ونسخا وليست خطا ولم أعثر له على قطعه خطية معتبرة كما هي لوحات الخطاطين المعروفة.

الوظائف التي شغلها:
في سنة 1907م تم توظيفه بدرجة كاتب في محاسبة البلدية ولم يبق بها طويلا فترك الوظيفة ...  ثم عاد بعد ذلك للوظيفة كاتباً في المحاكم المدنية في الموصل ولكونه موظفا جيدا فقد تشجع رؤساؤه على رعايته ليتدرج بسرعة وظيفيا من كاتب ضبط ليصبح رئيس كتاب في محكمة جزاء الموصل ، وفي سنة 1935 رشح نفسه لإشغال وظيفة القضاء الشرعي في محاكم الموصل([11]) لكنه عاد فسعى لإعفائه منها وآثر البقاء في عمله(كرئيس كتاب للمحكمة) الذي أستمر فيه قرابة الأربعين سنة كان فيها مثالا للموظف الأمين والنزيه([12]) والكفء لحين تقاعده العام 1949 .  
مؤلفـاته([13]):
 أبدع الشيخ الدبوني بتأليف عدد غير قليل  من الكتب والموضوعات القيمة ، وبقيت مخطوطة غير منشورة (نأمل من أحفاده نشرها لاحقا لتعم فائدتها) ، نذكر منها :
كتاب يبحث في الصلوات , و كتاب في الدعاء والتهجد,كتاب تمييز الحلال من الحرام وهو كتاب عملي استند فيه على الفتاوى الشرعية المتفق عليها بالكتاب والسنة, و ملخصات للدرس والتدريس في علوم الآلة والمادة نقلا وعقلا,  و الإسلام والحضارات الإنسانية,
مجاميع مختارة لنصوص أدبية مع شروح وتعليقات مفيدة ,  مجموعة لتراجم ودراسة بعض الشخصيات من الصحابة الكرام, مجاميع وعظ وإرشاد ديني, مجموعة لشرح بعض الأحاديث القدسية, تفسير بعض النصوص القرآنية, دراسة في التاريخ الإسلامي, وكتاب الأذكار( سبق له أن تلاه على شيخه الرضواني فنال إعجابه) .
له دراسات أدبية واجتماعية وقرآنية صدرت بجريدة الهدف (الموصلية )  بصورة متفرقة .

تلاميذه في الخط العربي:
درس الشيخ فائق الدبوني عددا وفرا من التلاميذ في علوم الشريعة والخط العربي , ومن أبرز تلاميذه في فن الخط العربي الخطاط المثابر عاشق الورد الميكانيكي والجقماقجي الماهر والمصور صاحب الهوايات المتعددة والمتجددة المثابر(محمد صالح الشيخ علي الطائي الموصلي), والخطاط محمد صالح الذي يعتبر المطور الأول للإعلان والدعاية في العراق ثلاثينيات وأربعينات القرن الماضي في بغداد والذي أجيز بالخط العربي من أستاذه الشيخ فائق الدبوني الذي يعتبر حلقة الوصل الخطية بين الجيل القديم من خطاطي الموصل والجيل الحديث , ولم أقف على هذه الإجازة ولا على تاريخها بالرغم من بحثي وسؤالي للمقربين من ( كاتبها  ومؤ جزها وأولادهما وأحفادهما) كما أنني لم أشاهدها ولا اعرف تأريخها ، إلا أن الأستاذ عبدا لقادر فائق الدبوني ( يرحمه الله ) عند زيارتي له ببيته العام 2006 حدد تاريخها بين الأعوام 46-1950، واخبرني : بان الخطاط محمد صالح كان قد طلب الإجازة من والده بعد حصوله على إجازة الخط من الخطاط محمد طاهر الكردي المكي ، وذلك كي تعينه للتوظف في ديوان الأوقاف بعنوان خطاط وبدون إجازة فانه سيتم تعيينه مساعد خطاط ، وأجابه الشيخ الدبوني على أن يحضر في مجلسه بمحلة جامع خزام يوميا قبل صلاة المغرب لمدة شهرين لإجراء بعض المراجعات والتوجيهات وقد تم لهما ماأرادا ) وتكمن أهمية هذه الإجازة بكونها الامتداد الطبيعي لحركة وسلسلة الخط العربي في الموصل وهي تمثل السلسلة المتواصلة لامتداد هذه الحركة من القرن الثامن عشر إلى القرن التاسع عشر فالقرن العشرين ، وسلسلة الإجازات الخطية التي تنتهي بإجازة الخطاط الشيخ فائق الدبوني لتلميذه محمد صالح الشيخ علي سبقتها إجازة الدبوني من الخطاط احمد الصائغ والذي أجيز هو الآخر من والده الخطاط محمد طاهر الصائغ والذي أجيز بدوره من والده الخطاط عبدا لله الصائغ وهكذا هي سلسلة الخط ترتقي في الموصل من خلال هؤلاء الأعلام .
أولاده: أعقب الشيخ فائق الدبوني خمسة أولاد هم:
سالم فائق الدبوني ( 1910_ 1974)  و حازم فائق صالح الدبوني (1919-1996 ) و عبد القادر فائق صالح الدبوني (1927-2009 ) و هاشم فائق صالح الدبوني (1929-1959 ) و محمد فائق صالح الدبوني (1930_2006) م يرحمهم الله جميعا .


المقاله منشورة بالتفصيل / مجلة موصليات  العدد (  )/ مركزدراسات الموصل /جامعة الموصل


الجمعة، 16 مايو 2014

صــــــــــور خــــــا لـــــدة

صـــــــور خــــــا لـــــدة



المهندس عبد الرزاق الحمداني 








استقبلني استقبالا لم أكن أتوقعه أو احدث نفسي به (حينما كانت تراودني الأفكار والرؤى عن كيفية وطريق وهموم السفر إلى هذه المدينة الحلم للمرة الأولى ) ،عندما ألقيت عليه السلام وأخبرته أنني قادم من العراق وبالتحديد الموصل ..أم الربيعين بدت أسارير وجهه تتهلل ..ولا غرابة في ذلك فالرجل يقدر من يأتيه عبر هذه المسافات أولا ويرى نفسه فيمن يزوره من الخطاطين أو المهتمين بالخط العربي ثانيا في بيئة كانت تفخر وتعتز وتقدم كل من يتعامل مع هذا الحرف اللغز..
حينما ناولته اللوحة التي أخرجتها من حافظة الأوراق التي كانت معي وقلت: له بان الخطاط علي حامد الراوي من الموصل يهديه ارق تحياته و بعث له بهذه اللوحة الخطية ،لم يكن من شيخ الخطاطين الأستاذ الخطاط حامد الآمدي (ت: 1982 ) رحمه الله تعالى إلا أن امسك بالقصبة وراح يكتب تحتها (أحسن علي الأعلى ) ووقعها بتوقيعه (حامد ) بعفوية واضحة  ،وكانت تلك الصورة الأولى ، حدث ذلك منتصف شهر ربيع الأول العام (1398 ) الموافق مطلع شهر شباط عام (1978 )  بمكتبه في (خان رشيد ) احد خانات شارع الباب العالي بمدينة استانبول
لقد رمقها بنظرة ثاقبة متفحصة بعين بدت كأنها عين صقر في تفحصها ،أعجبته حروفها وأعجبه فيها قوة سبكها وتماسكها ،واضحة مقاطعها بسيطة غير معقدة طريقة اتصالها ،هي لوحة مؤلفة من ثلاث كلمات (وأقم الصلاة لذكري ) بسيطة طريقة تجميعها وترتيبها ،لكنها قوية في إنجازها وتآلفها ،فبعد أن أتم كاتبها الخطاط علي حامد الراوي كتابة كلمة (وأقم ) تبعتها كلمة (الصلاة) حيث جاورتها برقة وسلاسة لتتبعها كلمة (لذكري) بالياء الراجعة التي اخترقت الكلمات الثلاث...لترصهما رصا قويا لكنه جميلا وبديعا و ليكون الابتداء والانتهاء في هذا النص الخطي الجميل على وتيرة واحدة .
هي لوحة تأخذ بالألباب وتزيد من عشقك لهذا الحرف المعجزة ،هذا العشق الذي أوصل كاتبها إلى التعامل مع هذا الحرف بقدرات ومواهب متنوعة، وطاقات خلاقة مبدعة ،فهو يجودكتابته عن طريق أنواع الخط العربي المختلفة من  (جلي ثلث وثلث ونسخ وتعليق وديواني ورقعة) كونه احد أساتذة الخط العربي المشهورين والمتقدمين في الموصل والعراق  ،ويجود نطقه عن طريق ترتيل وتجويد القران الكريم في الصلاة وفي التدريس كونه احد الشيوخ القراء الكبار( في القراءات السبع) في المدينة ،ويجود التعبير به بفنون الخطابة على المنابر أيام الجمع في جوامع الموصل المختلفة كونه خطيبا مفوها وعالما في أصول الدين ،ويجود التعبير عنه شعرا كونه شاعرا معتبرا من خلال أبيات شعرية تأسرك في قصيدته الرائعة (ذرى الإبداع )والتي يصف فيها ما يعانيه أهل الخط في مشوارهم الطويل، وتجعلك تعيش معها وبها ومن خلالها ،رحلة طويلة مع الحرف العربي سحره ،محاسنه ،أنواعه ،خيالاته ،أساتذته ،مبدعيه ، وقد اخترت لك منها :


 للخط سحر جميل الـشكل ينطقه                   لا تعذلوني لحب الحرف أمشقه
إن اقبل الصبح أغراني بطـلعته                      وفي المساء يناجـيني فأوثقه
أنواعه بهرت عقلي بروعتــها                       وكيف لا وفريد الحـسن رونقه
كحلت عيني زمانا في محاسنـه                      يكاد يغرقـني فـني وأغرقه
قد هام قوم به دهرا وما انكشفت                    من بحره لرؤى الغواص أعمقه
ملّوا الحياة وما ملت أناملهم                         صوغ الخطوط بسحر عز منطقه
وارخصوا الروح في تزويق صبغته                   بانمل فـذة ظـلت تـنـمقـه
جفت عيون وما جفت محابرهـم                      من المداد الذي للحرف تغدقـه
أقطابه (راقم سامي وحامدهــم                        وهاشم )بعدهم للـخـط يحذقه
حلــيمهم جهبذ شوقيهم فـطن                       عزيزهم متقـن عباس يـنطقه
عند عودتي من تلك السفرة الحلم ،من مدينة الحلم واليقظة ،التاريخ والحضارة ،بما شاهدته فيها من احتفال جماهيري وشعبي وعائلي مهيب في الأزقة ..في الطرق والحارات والبيوت ,بذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم , والتي دعيت إلى إحداها  في دار مفتي استانبول صلاح الدين قايا فعايشت وعشت الذكرى .ومعايشتي لرحلة الزمن مع تصفحي للمخطوطات والمصاحف النادرة لمكتبة جامع نور عثمانية في غرفة أمين مكتبتها ،وبعد خروجي للشوارع الرئيسية وانتباهي منها ،  وكانت تلك صورة أخرى .
بعد وصولي الموصل الحدباء كانت صورة جديدة قد ارتسمت على جبين كاتبها حينما شاهد تقييم الخطاط حامد الامدي (رحمه الله )على لوحته وهو أعلى تقييم في درجات الخط وتعادل في تقييمنا الحالي "درجة الشرف الأولى "وكان ذلك التقدير مقدمة لإجازته له بالخط العربي في جميع أنواع خطوطه فيما بعد وفي اعتباره له بأنه احد تلاميذه المميزين،كما وصفه الخطاط حامد الآمدي(رحمه الله) في فلم الفديو الذي أنتجه مركز الأبحاث للتأريخ والثقافة والفنون  التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي العام 1982،  و كما  ورد كذلك في تحقيق الدكتور محمد حرب (حامد آخر الخطاطين العظام )في مجلة العربي الكويتية العدد (290) الصادر في مدينة الكويت في شهر كانون الثاني العام  ( 1983 ) م.
وظهرت صورة أخرى و قد تكون الأخيرة حينما أهديت هذه اللوحة إلى العلامة الخطاط الباحث اللغوي المحقق الشاعر والعالم "محمد بهجة الأثري " رحمه الله عند إشراكها في احد معارض الخط العربي أواخر ثمانينيات القرن الماضي ببغداد.

وهكذا تنتهي سفرة اللوحة ..القصة .. الرحلة والإبداع..والصور..لكنها تبقى تعيش حلما يوميا دائما في ذاكرة مبدعها وكل من شاهدها.

الجمعة، 9 مايو 2014

خطاطو الموصل المعاصرون .. سيرة ومسيرة

خطاطو الموصل المعاصرون .. سيرة ومسيرة
                                                         بقلم: د. محمد نزار الدباغ
عماد الدين خليل: مهرجان مثير للإعجاب للحرف وهو يتمايد ويتلوى ويعكس رؤية تجريدية تمثل واحدة من أكثر الفنون التشكيلية تألقا وصفاء.


الخط العربي يتموضع في قلب الثقافة الإسلامية
احتوى كتاب "خطاطو الموصل المعاصرون" للمهندس والفنان والخطاط الأستاذ عبدالرزاق الحمداني على إهداءٍ ثم تقديم بقلم المؤرخ الأستاذ الدكتور ذنون الطائي مدير مركز دراسات الموصل، ومنه نقتطف قوله: "لا نغالي حينما نقول بأن مدينة الموصل هي إحدى أشهر الحواضر العربية التي أنجبت الخطاطين المبدعين الذين بزوا أقرانهم في أرجاء المعمورة"، ويضيف "وشهد الخط العربي منذ ستينيات القرن العشرين نهضة فنية هائلة في جماليات الخط بأنواعه المعروفة وتشكيلاته الأخاذة وروعة الخطوط التي ازدانت بها واجهات المساجد والجوامع والمحاريب والمنابر، على أن الاهتمام بذيوع الخط العربي وصل إلى المدارس الابتدائية والثانوية ضمن مفردات مادة اللغة العربية وبكراسات للخط العربي المقررة من وزارة المعارف ثم التربية".
وأوضح أن هذا "ما أدى إلى صقل العديد من المواهب الفنية وجعل اللغة العربية واقترانها بالخط العربي مادة محببة لدى الناشئة والجيل الجديد".
ومدح الطائي المؤلف قائلا: "وحسناً فعل المهندس عبدالرزاق الحمداني الذي كرس جهده لسنوات طوال في البحث والتتبع لآثار نخبة من رواد الخط العربي المعاصرين في مدينة الموصل، ولأعمالهم الفنية وحرص على تسجيل كل ما يتعلق بمسيرتهم الفنية الطويلة وجمعهم في مؤلف هو بمثابة سفر للخطاطين في مدينة الإبداع والمبدعين والفن والفنانين، فللحمداني كل التقدير على تلك الجهود المضنية التي بذلها وهو ليس غريباً عن جمهرة الخطاطين، فهو من مبدعي هذا اللون الفني الجميل. وهو ما اعطى لهذه الدراسة ثقلاً نوعياً وعلمياً وفنياً في التناول والسرد والعرض متمنين له المزيد من العطاء الفني والعلمي. خدمة لتاريخ العراق العظيم ومدينتنا الموصل الجميلة".
صدر الكتاب عن مركز دراسات الموصل بجامعة الموصل العراقية وتضمن سيرة ومسيرة حياتية وفنية لأكثر من ستين خطاطا موصليا معاصرا.
وقدم له أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية العلامة والمفكر الإسلامي الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل وجاء في تقديمه: "يتموضع الخط العربي في قلب الثقافة الإسلامية ويقدم مشاركة فاعلة في حمايتها والتعبير عن خصوصيتها واغتنائها بالعطاء المبدع. إنها وظيفة مركبة بما أن الخط الذي يحمل الحرف العربي يتمخض لمهمتين إحداها (عملية) تستهدف توصيل الخطاب بين الأطراف المتحاورة والأخرى جمالية تملأ الفراغ بعروضها المدهشة والمتنوعة ما بين الجلي ثلث والثلث والنسخ والتعليق والديواني والرقعة والكوفي... الخ".
ويضيف خليل: "مهرجان مثير للإعجاب للحرف وهو يتمايد ويتلوى ويعكس رؤية تجريدية تمثل واحدة من أكثر الفنون التشكيلية تألقا وصفاء. إن الإسلام وقد حرّم عبادة الأصنام بشكل قاطع وسد الطريق على أية ممارسة فنية تقود إلى حافات الصنمية هذا التحريم ما لبث أن تحول إلى طاقة فنية إبداعية فعالة متساوقة مع التصور الجديد".
ويرى أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية أن هذا المنع الذي احتفظ - كما يقول (مارسيه) في "الفن الإسلامي" - بكل قوته في تزيينات العمارة الدينية ولوازم العبادة وأثر على تطور الفن الإسلامي بأسره.
ويوضح أن "نخبة طيبة من مبدعي الموصل حُماة الحرف العربي والمتفننين فيما منحهم الله سبحانه من قدرة على التشكيل والتنويع، ذلك مايجده القارئ بين يديه.
ويشير خليل إلى أن ميزة الكتاب وخصوصيته التي أرادها له المؤلف أن تراجمه لخطاطي الموصل هذه لم تأخذ نسقا متشابها يكرر نفسه مع كل واحد من هؤلاء, وإنما هو غير وبدل في أسلوب العرض, وأدار كاميرته على جوانب هنا هي غيرها هناك وبهذا منح مُؤلَفه حيوية التركيب ومتعة القراءة في الوقت نفسه وطالما استدعى الخطاطين أنفسهم لكي يتحدثوا بأنفسهم عن تجربتهم الخصبة وعما صنعته أيديهم ويعرض نماذج من هذا الذي أبدعوه".
واختتم تقديمه قائلا: "ولحسن الحظ فان المؤلف نفسه هو واحد من هؤلاء الخطاطين المبدعين الذين يتحدث عنهم ولقد أتاح الفضاء المعرفي الواسع للمؤلف, وامتلاكه ناصية الأداة الأدبية والتعبيرية أن يعرض كتابه هذا بأسلوب مؤثر جميل وبقدرة ملحوظة على التقاط الحلقات الأكثر أهمية لبناء عمله وذلك فضل الله وحده يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".
وتبعت مقدمة المؤلف أرجوزة شعرية من ست وستين بيتا من الشعر لمؤلف الكتاب في تراجم خطاطي الموصل المعاصرين تبعتها سير الخطاطين المفصلة وحسب تقادمهم الزمني مبتدئاً بالشيخ الراحل فائق الدبوني والراحل محمد صالح الشيخ علي الطائي، مرورا بيوسف ذنون وحازم عزو العلاف وصولا لحسن قاسم حبش والشيخ الراحل علي الراوي ثم سالم عبدالهادي وعبدالباري محمد سلو وعمار عبدالغني ومروان حربي ثم اياد الحسيني وزكريا عبدالقادر وعلي الفخري وخليل إسماعيل وأكرم ذنون وعلي حسان ومحمد عبدالمطلب، ومختتما بالخطاطين محمد سلطان الطائي ومؤمن مصدق عبدالعزيز، وأعقبها ثلاث مقالات عن الخط والخطاطين في الموصل كان المؤلف كتبها ونشرها في أوقات سابقة في مجلات دورية وجاء الكتاب في مجلد واحد من القطع المتوسط وبعدد صفحات بلغ 348 صفحة.
وحمل غلاف الصفحة الداخلية لعنوان الكتاب خط المؤلف لها وقام الفنان التشكيلي حكم الكاتب بتصميم الغلافين الخارجي والداخلي للكتاب موضحا بنماذج خطية وصور للخطاطين الذين فاقت أعدادهم الستين خطاطا.
ويذكر أن المؤلف من مواليد الموصل سنة 1957 وحاصل على البكالوريوس الهندسة الميكانيكية/جامعة الموصل سنة 1979 وهو رئيس مهندسين أقدم منذ العام 2002 ومجاز من شيخ الخطاطين العثمانيين حامد الآمدي سنة 1978 وترأس الهيئة الإدارية لجمعية الخطاطين العراقيين / فرع نينوى (الموصل) بدورتها الخامسة وله أربعة كتب تتحدث عن الخط والخطاطين والخطاطات في الموصل منها كتاب "الموصل وجمهرة خطاطي النسخ أنموذجا" يحتوي على تراجم وسير فاقت في أعدادها المائة والعشرين مبدعا خطاطا وخطاطة من القرن الرابع الهجري ولحد الآن وطبع الكتاب في دار بن الأثير للطباعة والنشر بجامعة الموصل (ويحمل رقم الإيداع بدار الكتب والوثائق ببغداد (1319) لسنة 2011).
وللمؤلف العديد من البحوث الفنية والخطية والتراثية في الصحف والمجلات العراقية وهو باحث علمي وتراثي وحاليا عضو الهيئة الاستشارية لمجلة "الموصل التراثية" التي تصدر عن دار المازن للطباعة.