الأربعاء، 30 أبريل 2014

أنــــــزك







أنـــــــــــــزك :

المهندس عبدالرزاق الحمداني                                 





الخط العربي خير مايمكن أن يوصف به أوأن يعبر عنه هو أنه فن الفنون الإسلامية وقاسمها المشترك وحاديها ورمزها في كل التطبيقات الفنية اللاحقة الأخرى.

وان احسن مايمثل الخط العربي ويعبر عن مكنوناته وانطلاقه وتجرده وتصويره هو اللوحة الخطية وأن أهم مايميزاللوحة الخطية قوة حرفها وتماسكه وتشكيله وتراصفه وتناغمه مع بقية حروفها,كما أن الفراغ هوالآخريلعب دوره الكبير في تبيان قوة وجمالية وروعة اللوحة الخطية لابل يضيف لقوة اللوحةوروعتهاجمالية وتألق وتناغم وبعد تفتقده اللوحة لو ضيع أو أخرج ذلك الفراغ من حيزه الذي يشغله في اللوحة وهكذا يصبح الفراغ عندها جزءامكوناوأساسيا ومكونا من مكونات اللوحة الخطية الفنية.
واللوحة الخطية اوالعمل الخطي الفني معيار لجهد وعمل وتقدم وفن وإمكانية ومكانة الخطاط الفنان الذي أبدعها وصممها وهندسها وبالتالي كتبها ,واللوحة الخطية تبدأ عادة بفكرة بسيطة تتطورتدريجيا من حيث توزيعهاوتشكيلهاوهندستها وكتابتها وزخرفتها, وقد تستغرق فكرة اللوحة ساعة او يوما او اسبوعاوربما شهرا او عدة شهور وهذا هومايعرف بالتسويد في العمل الفني الخطي حتى اذا ماأتم الخطاط تسويد اللوحة خلال المدة المذكورة يذهب مباشرة وينتقل تدريجيا للمرحلة الثانية في بنائها ألا وهو تبييض اللوحة واعادة كتابتها بشكلها النهائي الذي وصلته على يد كاتبها ومصممها ومهندسهاومنتجها ومبدعها .
ولقد تبارى الخطاطون تأريخيا في أعمالهم الفنية الخطية أي في لوحاتهم الخطية وهي سنة الحياة في كل نشاطاتها المتنوعة وكان كثير منهم مقل  في تلك الأعمــــــال
لأنه كان يحسب لهذا العمل الفني الخطي ألف حساب قبل أن ينشره أو يعرضه على الناس ,ومن خلال تلك المباريات غير المعلنة ظهرت أعمال التقليد والمحاكاة في اللوحات الخطية ,فتبارى الخطاطون وخاصة الأساتذة منهم في بداية مشوارهم الفني في تقليد عمل خطي فني لأحد رواد الخط الكبار كل منهم يدلو بدلوه ويحاول جهده ومقدرته في هذا الميدان الواسع الكبير ليظهر مقدرته وموهبته وتمكنه في هذا الفن الذي شرفت وتميزت به أمتنا عن بقية أمم الأرض جميعا .
هناك قصص وأحاديث عن لوحات وأعمال فنية خطية كتبها أساتذة خطاطين ثم قلدها بعدهم تلاميذهم فأبدعوا فيها أي أبداع وكانت محاكاتهم لتلك الأعمال تقدمهم في سلم العمل الفني الرائع والإبداع الخطي كما حصل لآخر سلسسلة الخطاطين العثمانيين الأستاذ الخطاط حامد الآمدي عندما قلد لوحة سورة الفاتحة لمصطفى راقم أحد قامات الخط العربي من الخطاطين العثمانيين .
وقصة لوحتنا "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم" هذه اللوحة الرائعة التي كتبها الاستاذ الخطاط ( العثماني) الشيخ محمد عبدالعزيز الرفاعي ( (1871ـ1934يرحمه الله ) آخر خطاط لدائرة مشيخة الاسلام في الدولة العثمانية باستانبول ,استاذ كبير في الخط والزخرفة والابرو "الورق المجزع" كتب (12) مصحفا وكثير من اللوحات الخطية وكراريس تعليم الخط العربي في الثلث والنسخ والتعليق والديواني ولقب بسريع القلم لكثرة وسرعة انجازه الأعمال والمرقعات والكراريس والمنمنمات والامشاق الخطية، استقدمته الحكومة المصرية لكتابة مصحف لملك مصر فؤاد اول بخط النسخ بعد أن رشحته دائرة مشيخة الإسلام باستانبول لانجاز هذا العمل الجليل بناء على طلب الحكومة المصرية حينها, بقي احدى عشرة سنة بمصر وعمل على نشر الخط العربي من خلال تدريسه له في مدرستي الشيخ صالح وخليل آغا في القاهرة وتخرج من هاتين المدرستين عدد كبير من الخطاطين المصريين والعرب والذين أصبح عدد منهم فيما بعد الاساتذة الخطاطين في مصرمثل محمد سعد حداد ومحمد عبدالقادر(الذي تخرج أولا على دفعته بالمدرسة وهو الذي سنتكلم عنه بتقليده ومحاكاته للوحة استاذه الشيخ الرفاعي)  ومحمد ابراهيم  والعراق وخطاطه الكبير هاشم البغدادي والسعودية وشيخها الخطاط محمد طاهر الكردي ومحمد برهان كباره من لبنان وغيرها ,توفي عند عودته بعطلته الصيفية باستابول في 16 آب 1934 رحمه الله رحمة واسعة ) بخط الجلي ثلث  سنة ( 1335 هـ) بشكلها البيضوي الجميل فكانت حروفها وترتيبها وتشكيلها بديعة وجميلة بل من أبدع مايمكن تشكيله .
وكان من ابداعات الخطاط محمد عبدالقادرعبدالله (يرحمه الله) تقليده ومحاكاته للوحة استاذه الشيخ محمد عبدالعزيز الرفاعي"والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم" وكان يعتز كثيرا بعمله ومحاكاته وتقليده لهذه اللوحة التي كتبها سنة (1379هـ), ومن الطريف ذكره أن الأستاذ هاشم محمد البغدادي (1917ـ1973)........ أعظم خطاط عراقي في القرن العشرين , والذي أعاد لبغداد والعراق موقعهما المميز في ريادة حركة الخط العربي عربيا واسلاميا,له أعمال كثيرة ومميزة , وكتب الكثير من مساجد بغداد والعراق ,أشرف على طبع مصاحف مديرية الأوقاف العراقية مرات عديدة بخط الخطاط العثماني الموصلي الأصل محمد أمين الرشدي والخطاط العثماني حسن رضا, من ابدع كتاباته ماكتبه في جامع بنية في بغداد رحمه الله رحمة واسعه) خلال أدائه الامتحانات النهائية لدراسته الخطية في مدرسة تحسين الخطوط الملكية سنة 1943وخلال لقائه مع الخطاط محمد عبدالقادروتعرفه عليه وعلى عدد آخر من الخطاطين المصريين وفي أحدى زياراته لمصر لاحقا نهاية الخمسينيات من القرن الماضي ومن خلال الاحاديث المتبادلة بينهما عن قيمة وتصنيف لوحته التي قلدها سنة (1379هـ) بالنسبة  للوحة الشيخ الرفاعي الاصلية فأجابه المرحوم هاشم اجابة عفوية بأن لوحة الأستاذ الشيخ الرفاعي (أنزك) وبقيت هذه الكلمة ترن كالجرس المدوي في ذاكرة هذا الخطاط العلم , ولكون الكلمة عراقية المنشأ والمبنى والاستعمال لم يفهم معناها الحرفي الدقيق وان كان قد فهم شيئا غير دقيق او واضح من المعنى , وبعد مدة ثلاثة عقود من الزمن وخلال استضافة بغداد الثقافة والعلم والفن والحضارة خطاطي العرب والعالم الاسلامي في مهرجانها ( مهرجان بغداد الاول للخط العربي والزخرفة الإسلامية) في العام 1988م ,كان الأستاذ الخطاط محمد عبدالقادر أحد كبار الخطاطين العرب المدعويين لحضور المهرجان, وكانت فرصة طيبة له ليتحقق ثانية من مستوى لوحته ومن معنى كلمة  (أنزك) ومن تقييم الاستاذ هاشم البغدادي بقدرته في تقليد لوحة استاذه فكان سؤاله الثاني للأستاذ والخطاط الكبير يوسف ذنون ( وكان الاستاذ يوسف ذنون حدثنا عن بعض طرائف مهرجان بغداد الاول للخط العربي بعد اختتام اعماله من خلال اللقاءات الاسبوعية لجمعية الخطاطين العراقيين في الموصل بعد تأسيسها العام م  1989م ) فكانت إجابة شافية واضحة دقيقة ومفصلة لكلمة (أنزك) الكلمة ألمعروفه والدارجة في العامية العراقية والتي لاتوجد كلمة دقيقة مرادفة لها في اللغة العربية الفصحى ,وانما يمكن التعبير عنها بكلمتين بأنها "الاكثر جمالا او الاكثر سبكا او اناقة اورشاقة" .
ويلاحظ القارئ الكريم مع هذه الأسطر صورة للوحتين الأصلية للشيخ الرفاعي ومحاكاتها للاستاذ محمد عبدالقادرعبدالله وليتفحص جماليتهما وروعة تشكيلهما وهندستهما وروعة ودقة حروفهما وكتابتها .