الأحد، 14 سبتمبر 2014

من عبد الغني العاني إلى رينوار...رحلة فن مستمرة.. رئيس مهندسين أقدم عبد الرزاق الحمداني

من عبد الغني العاني إلى رينوار...رحلة فن مستمرة


رئيس مهندسين أقدم
عبد الرزاق الحمداني
كان يحمل بين جنباته أفكارا وآمالاً ورؤية مستقبلية للقاء طالما حلم في تحقيقه , فلقد اخترقت كلمات الثناء آذانه وملأت أسماعه , ولاقت عند الكثيرين قبولاً أعماله , وأتحفت لوحاته أنظاره , لكنه لم يكن قد تعرف إليه شخصياً , كانت سفرته إلى مدينة باريس العام 1980 وكما يحلو للبعض تسميتها عاصمة النور تحمل الكثير مما يمكن له تحقيقه على مستوى وصعد كثيرة .. علمية .. ثقافية .. فنية وسياحية, اكتساب خبرات جديدة وتوسعة لمداركه في حياة متجددة ومتطورة.
وما أن حطت قدماه تلك الأرض , إلا واشتاقت نفسه , وتاقت روحه للقائه وما أن استقر به المقام إلا وطفق يبحث عمن يدله إلى عنوانه , طاف بكثير من الأحياء والمحلات وزار عدداً من الممثليات والمعارض والمواقع الثقافية , هذا القصر المنيف هو المركز الثقافي العراقي الذي استبشر خيراً عندما رآه عله يجد ضالته في معرفة أخبار وعنوان من كان يبحث عنه , لكن آماله تبخرت وذهبت أدراج الرياح .. لا أحد يعرف العنوان والجميع غير مكترث بالاسم الذي يسأل عنه , و في السفارة العراقية وفي الملحقية وفي .. ما أنفك يسأل عنه عله يجد من يدله عليه .. لكن دون جدوى .. ولا من فائدة , يبدو أن هناك اتفاقاً مسبقاً بين الجميع على عدم البوح بالعنوان المطلوب , وقد أصبح سراً وطلسماً يحتاج إلى من يحله .
ودارت الأيام ويبدو أن صاحبنا أقتنع وعلى مضض بأن من يبحث عنه ليس له عنوان عند الناس , لكنه متأكد أن الرجل وطأت قدماه باريس العام (1967) وهو منذ ذلك التاريخ ما فتأ يلوذ بقلمه ولسانه وقصبته .. دفاعاً عن الحرف العربي وقيمة .. وتأريخه ولم يسمع عنه بأنه غادرها , زار المكتبة الوطنية .. ومتاحف ومناطق أثرية وسياحية أخرى وزار اللوفر .. عدة .. مرات .. وكانت هذه الزيارات المتعددة بسبب من معرفة وثقافة يطلبها لتشبعه .. وضجر يملؤه .. وحنين يسكنه .. وتغيير يتطلبه .. وكان كلما زار اللوفر ووقف أمام تلك الصخرات المنحوتات بيراعات فنان وأي فنان ؟! استقرت نفسه وهدأت مشاعره , فهو عندما يرى الثور المجنح يعيش لحظات آمنة ودقائق بالمشاعر مشحونة وبالأهل والأحبة مسكونة .. تقربه تلك الأحجار والصخرات المنحوتات مئاتاً وآلافاً من الكيلومترات .
ومرت الأيام ومرت بمرورها أحداث .. لكنه ماانفك يبحث ويسأل عله يجد ضالته , وفي أحد الأيام وبينما كان في زيارة لبعض الأصدقاء , أضطره تأخر الوقت للمكوث معهم في الفندق الذي كانوا فيه .. ينزلون .. والمكان الذي به يسكنون .. وفي الصباح عندما أراد أن يعطي المفتاح لموظف الاستعلامات , كان هناك فوج من السياح تتطابق جنسيتهم مع أسم الفندق وكان أحدهم يسأل عن مكان معرض الفنان التشكيلي والانطباعي الفرنسي هنري رينوار .. ولكونه كان قد زار المعرض قبل أيام .. دار بينهما حديث عن هذا الفنان ومعرضه وأعماله الفنية وكان موظف الاستعلامات بالفندق يصغي وكله انتباه .. سأله بالعربية التي لم يكن يتوقع سماعها منه الأخ فنان؟ .. أجابه نعم .. خطاط من أي الأقطار العربية .. من العراق .. هل تعرف الأستاذ عبد الغني العاني ؟ أجابه اعرفه من بعيد لكن معرفتي به تتجاوز من يعرفه من قريب , قال : كيف ؟ أجابه هو خطاط متقدم وأنا كذلك , واستبشر صاحبي خيراً , وراحت ذراعه اليمنى ترفع سماعة الهاتف واليد اليسرى تدور مزولة الأرقام , مرحباً دكتور عبد الغني .. هناك أخ من الموصل .. من العراق يسأل عنك ؟ تحدث معه لدقيقة ثم أعطاه سماعة الهاتف , مرحباً دكتور, كيف الأحوال ؟ الحمد لله .. وبكل طيبة وبعراقية معروفة .. أيها الزميل أنت والأستاذ محمد الشاذلي مدعوان عندي غدا على الغداء .. اعتذر الشاذلي عن الحضور فلديه في الموعد أعلاه , محاضرة تخص دراسة دكتوراه دولة في الفنون التشكيلية بجامعة السور بون , لكن محدثنا وعده بالحضور في الوقت المحدد وبعد الإيجاز عن المكان .وفي اليوم التالي وحسب الوصف .. وباستخدام المترو وصل العمارة المرقمة "137" في شارع يسمى "Rue de la marack" ضغط على زرار الجرس جاءته الإجابة , تفضل افتح الباب وادخل , دلف للداخل وهو يصعد السلالم سمع صوته العذب "أهلا وسهلا" كلمات طالما بحث عنها منذ ما يقارب التسعة اشهر , كانت ملامحه كما رآها في صوره العديدة , لكن أثار السنون بدت على محياه , كان استقباله استقبال من قد غاب عنه صديقه أعوام وأعوام .. ودخل الشقة قبل منتصف النهار , وكانت حرارة الاستقبال وشوق اللقاء وطراوة الحديث وشجونه , من بغداد .. إلى باريس .. مروراً بأستنبول .. تأريخ الخط العربي .. والخطاطين .. وتأريخ لوحات وأشخاص , الوضع في العراق .. حياة الناس هنا هناك .. والمقارنة بينهما , ثم حديثة عن مؤلف أتمه عن تأريخ الخط العربي باللغات الثلاث العربية والانجليزية والفرنسية .. تخللتها مائدة عراقية .. وشاي , مع اطلاع على لوحات كان قد كتبها وزخرفها , الدقائق والساعات انقضت وكأنها ثوان أو لحظات , الساعة الآن تشير إلى الحادية عشر والنصف ليلا , الوقت تأخر فسفره سيكون خارج باريس (159) كم لكن المترو والقطارات تقلل المسافات في تلك المحطات , ودعه على أمل أن يلتقيه ثانية , لكن لقاءه به كان نهاية مطافه بباريس , هاتفه قبل عودته على أمل لقاء قريب يجمعهما .. والذي أمتد لأربع سنوات قادمة . 
حدثني الخطاط علي الراوي عنه قائلاً :
حضرت مرة مكتب هاشم البغدادي أواخر تموز عام 1967 فإذا به شاب مرتبع القامة قال لي هاشم : ياعلي الراوي هذا عبد الغني العاني , وهكذا تعرفت عليه وجئت في وقت كانا يتكلمان بمسألة لم أدرك أولها ولما أنصرف العاني , ألتفت إلي هاشم وقال يابني كنت قبل أن تأتي أتحدث مع عبد الغني بأمر فيه صالح كبير له , هو يريد أن يدرس الدكتوراه في القانون بفرنسا وأنا أقول له أن مستقبلك في الخط , فالقانون رجالته كثير ولكنك وحيد في هذا المضمار وإذا جلست في بغداد , فستملؤها خطاً وسيكون لك شأن كبير , قال فخرج ولم يقتنع بما قلت له , وبعد سفر عبد الغني العاني أواخر عام 1967 جئت في زيارتي الثانية للأستاذ هاشم البغدادي في العطلة الربيعية شباط عام 1968 فسألته عن العاني فأخبرني بسفره وألمه وتأسفه لذلك , لان البناء الذي أشاده هاشم معه قد ذهب أدراج الرياح , وبينما كان يفتش عن ورقة في مكتبه عثر على مشوقات للعاني وصورة فقال لي هذه لك فأحتفظ بها ولازلت محتفظا بجميعها ومنها ورقة كان قد كتبها سنة 1962 وهو في قوته . 
عبد الغني العاني في سطور :
عبد الغني عبد العزيز محمد العاني من مواليد الكرخ / بغداد 1937 
أكمل دراسته الابتدائية في مدارس التربية الإسلامية بالكرخ , خلالها عمل مستخدما في مديرية السكك الحديدية ليعين والده .
واصل دراسته المتوسطة والثانوية في مدارس جمعية التفيض الأهلية في بغداد .
درس الخط العربي على الأستاذ هاشم البغدادي منذ العام 1953 .
عين خطاطاً في مديرية الأشغال العامة ثم نقل إلى رئاسة ديوان الأوقاف ثم إلى مديرية المساحة العامة العام 1955 .
سنة 1958 ألتحق طالباً بكلية الحقوق / جامعة بغداد وتخرج منها سنة 1962 متفوقا بدرجة جيد جداً .
ألتحق بعدها بدورة الضباط الاحتياط ونسب للعمل في مطبعة الجيش مع زميله الرائد الخطاط غالب صبري الهلالي وقد تعاونا في أخراج مجلة (الجندي) .
أنتسب سنة 1963 لمعهد الفنون الجميلة ببغداد / فرع الخط وأخذ الزخرفة حينها عن المزخرف التركي (تحسين آي قوت ألب) .
تخرج من المعهد سنة 1967 وفي نفس السنة نال شرف الإجازة في الخط العربي من عميد الخط العربي الأستاذ هاشم البغدادي وهي الإجازة الأولى والأخيرة التي منحها الأستاذ هاشم البغدادي لخطاط .
سافر سنة 1967 إلى فرنسا لدراسة الدكتوراه في القانون من السوربون نال معها شهادة دكتوراه دولة أخرى في القانون .
أقام معارض خطية في عدد من المدن الفرنسية منذ ذلك الحين وطبعت عدد من أعماله الفنية على بطاقات بريدية .
شارك في المعرض المشترك للخط العربي/ لندن 1980 مع محمد سعيد الصكار ويوسف ذنون . 
شارك في مسابقات مركز الأبحاث لمنظمة المؤتمر الإسلامي في أستنبول .
درس القانون والفن ومارس فن الخط العربي في السنوات المبكرة من عمره، وأصبح منذ عام 1993 مسؤولا لقسم دراسات الخط العربي في الكلية الوطنية العليا بباريس وقد سعى من خلال أعماله الفنية إلى تأصيل الفن التقليدي للخط العربي الإسلامي والذي يعبر أسلوبه عن أرقى الاتجاهات الفنية في التعريف بالثقافة العربية وأسهم بشكل فاعل في تعزيز وترويج فن الخط العربي في الغرب .
تتويج أعماله بالفوز بجائزة الشارقة للعام 2009:
أعلنت فرانسيس ريفيرا المساعد الثقافي للمدير العام بمكتب "المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" بمقرها في باريس 18 كانون الثاني 2010، عن فوز الفنان عبد الغني العاني من العراق وأنّا بارزيمييه "بولندا" بجائزة الشارقة للثقافة العربية 2009 التي تمنح سنويا بدعم ورعاية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد ألقاسمي عضو المجلس الأعلى للإتحاد حاكم الشارقة وذلك بناء على ضوء قرار لجنة التحكيم لجائزة الشارقة للثقافة العربية من قبل الأمانة العامة, وتقوم المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا بتسليم الجائزة إلى الفائزين خلال حفل ينظم فى مقر اليونسكو بباريس فى 9 فبراير المقبل2010, وجائزة الشارقة البالغة 30 ألف دولار لكل فائز تقدمها حكومة إمارة الشارقة، واقترحها الشيخ سلطان القاسمى وأقرها المجلس التنفيذي لليونسكو في عام 1998، وتهدف إلى تكريم شخصيات أو جماعات أو مؤسسات أسهمت على نحو بارز فى ترويج الثقافة العربية فى العالم وفى صون وإحياء التراث العربي غير المادي.
يذكر أن الجائزة لأول مرة تمنح لفنان "، أما الفائزة الثانية "أنّا بارزيمييه "بولندا"" فقد أنشأت الباحثة والناشرة المميزة في العام 1998 في أوربا أول قسم للدراسات الإسلامية بجامعة وارسو "بولندا" وكرست عملها في تعزيز ونشر الثقافة العربية في بولندا، كما أنشأت في العام 1992 دار نشر الأكاديمي والحوار وبلغ إنتاجها 82 كتاباً يعنى بالعالم العربي والإسلامي".

المقالة منشورة على صفحات مجلة مناهل جامعية التي تصدرها جامعة الموصل

الثلاثاء، 9 سبتمبر 2014

سريع القلم ...أمير الخطاطين ....الخطاط الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي (1872-1934) م ,,,,,,,,المهندس عبدالرزاق الحمداني


سريع القلم ...أمير الخطاطين ....الخطاط الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي (1872-1934) م :

                                  المهندس عبدالرزاق الحمداني



  عزيزالرفاعي(1872-1934)م أحد الخطاطين المشهورين والمعدودين في أواخر سلسلة الخطاطين العثمانيين،ولد في مجقا(مجكا) وهي التي كانت مركز ولاية طرابزون،على الساحل الشرقي للبحر الأسود عام(1872)م الموافق(1288)ﻫ(1) .
واستقر في طفولته عندما كان عمره خمس سنوات مع عائلته ووالده عبد الحميد أفندي في كاغد خانه وهي إحدى أحياء استانبول بعد انتقال العائلة إليها، ومن خلال انتظامه في كتاب الحي ظهرت قابليته في الخط العربي وبدأ يدرس ويتعلم ويعمل ويكتب ويتمرن ويمشق على أستاذه ومثله الأعلى الخطاط المشهور عارف أفندي الفلبوي(نسبة إلى مدينة فلبة البلغارية) البقال (لافتتاحه محلا للبقالة) وأصبح أحسن تلاميذه ،بل أحسن خطاط نشأ وتعلم عليه في خطي النسخ والثلث(2)،كما انتظم و بدأ دوامه في مدرسة نور عثمانية للخط العربي والزخرفة الإسلامية في حي كاغد خانه لعدة سنوات.
درس عزيز الرفاعي كل من  خطوط الرقعة والديواني والنسخ والثلث على الحاج عارف أفندي الفلبوي،كما درس خط التعليق على مأمور دائرة المساحة  الخطاط حسين حسني القرين آبادي،وذلك لكون طريقة التدريس والإجازة كانت على هذا المنوال،التعليق يدرس لوحده عند أستاذ خطاط متقن والخطوط الأخرى(رقعة،تعليق،ديواني ،نسخ،ثلث) تدرس جميعا وسوية عند خطاط متقن،كما أفاد من تجربةوخبرة وتوجيه(شيخ الخطاطين حينها(سامي أفندي) في صقل موهبته الخطية وتقدمه في مشوار الخط وتكوين أسلوبه المميز له،ليعرف به ومن خلاله بـ(سريع القلم)  حافظ  خطاطنا عزيز أفندي على الأسلوب والروحيةوالانماط الخطية التي طبعت خطي الثلث والنسخ والتي طورها مصطفى راقم أولا ليهذبها من بعده شيخ آخر من شيوخ الخط هو محمد شوقي وليكمل السلسلة من بعده الحاج عارف أفندي الفلبوي،والذي أخذ عنه مترجمنا ليصقلها وينمقها ولتبرع أنامله وتخط وتصوغ سلاسل خط ذهبية بديعة وأخاذة. 
وقد تقدم كثيرابمشقه وخطه ووصل مرتبة متقدمة في الخط وهي مستوى الإجازة،حيث أجيز بعدها من قبل كل من أستاذه الحاج عارف أفندي الفلبوي ورئيس الخطاطين محسن زادة عبدا لله بك في 26 رجب 1314هج الموافق سنة 1896الميلادية في نفس الإجازة (انظر الشكل رقم(1) في الخطوط الشائعة مقلدا بذلك حلية ولوحة خطية جامعة لمصطفى الراقم(والتي تعتبر بحق من أروع الإجازات الخطية في تأريخ الخط العربي قديما وحديثا) . وبعد تعلمه واتقانه لخط الثلث وهو نسق وطراز ونوع الخط العربي بالحروف الكبيرة وخط النسخ وهو نسق وطراز ونوع الخط العربي بالحروف الصغيرة،في نفس الوقت تمرن على خط التعليق(الفارسي) مع مأمور دائرة المساحة القرين آبادي حسين حسني(ت: 1333-1914 م) وليجيزه في العام (1312-1896 م)،انظر الشكل رقم(2)،كما درس خط التعليق والجلي على سامي أفندي فيما بعد.
ومن خلال مشاركته في اللقاءات في بيت أستاذ الخط سامي أفندي في هرهركل يوم ثلاثاء بصورة دورية وأسبوعيا أتقن تفاصيل أسلوب خط الجلي (الثلث والتعليق)،هذا بالإضافة لقدرته ومهارته والتي مكنته من تهذيب وتطوير معرفته وقدراته الخطية،فقد حاول جهده وأظهر مقدرة وبراعة في هذه المنطقة في إيجاد أسلوب خاص ومتميز به،أهله لاكتساب شهرته وتلقيبه ب (سريع القلم) .
في العام 1893م الموافق(1311ﻫ) عمل أولا ككاتب في دائرة مشيخة الإسلام في استانبول،بمرتب شهري قدره(200)قرش،بالإضافة لعمله هذا فقد بدأ يحضر دروس سحري أحمد أفندي في علوم الشريعةالاسلامية ولحين منحه الإجازة العلمية في العلوم العقلية والنقليةالعام(1322-1904م)،وقد استمر مترجمنا مواظبا في عمله الوظيفي ،ولخطه البديع ولسلوكه الرفيع تمت ترقيته بعد فترة وجيزة وليصبح مرتبه(1750قرش) وتم منحه الميدالية الفضية،وكرم بالوسام ألمجيدي من الدرجة الرابعة.
وبعد أن أصبح مريدا للشيخ كنان الرفاعي وأحد أتباعه المقربين في العام (1908-1326ﻫ) وأخذه عنه وإكماله حلقة التعليم عليه،فقد أصبح خليفته بالطريقة الصوفية الرفاعية والتي مكنته من الاستمرار على تلقين وتعليم طريقة أستاذه وشيخه لمريديه،وهو ماكانت تحفل به عاصمة الخلافة الإسلامية استانبول آنذاك من انتشار الطرق الصوفية المختلفة والتكايا وخاصة المولوية(وهي التي يشتهر أفرادها بارتداء الطربوش الطويل ويمارسون طقوس معينة من أهمها التواجد بالرقص والدوران في حلقات الذكر اليومية) .
وقد جسد الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي شخصية العالم المتصوف والخطاط الورع وتمثلت بصورة واضحة في حياته الخاصة وتصرفاته اليومية ، ويقول عنه الذين عرفوه عن قرب انه (كان رحمه الله مثالا للادب والحياء) .
الرفاعي وكتابة المصحف : عندما رغب ملك مصر فؤاد الأول بكتابة نسخة خاصة به من القرآن الكريم تمت مناقشة الموضوع من قبل دائرة الكتاب الملكية المصرية الخاصة،وقد بدأ جليا أن نقيب الإشراف عزيز أفندي الأيوبي هو الأبرع في هذا المضمار وعليه فقد تمت دعوته لزيارة مصر العام (1920)،وفي 14 محرم 1341ﻫ أي العام 1922م،سمحت دائرة مشيخة الإسلام لمترجمنا بقضاء ستة أشهر هناك،حيث سافر بعدها لمصر وأتم انجاز وكتابة المصحف الكريم في ستة أشهر وليقضي ستة أشهر أخرى بزخرفته وتذهيبه،وليكون بعدها من أجمل المصاحف المخطوطة.

الصورة تجمع الشيخ الرفاعي وهو يتوسط اعضاء الهيئة التدريسية وطلاب مدرسة صالح اغا
بعد انجاز كتابة المصحف وزخرفته وعندما حان وقت العودة للوطن ،وصل الخبر بإلغاء وظيفته في استانبول،في ذلك الوقت وفي تلك الظروف غير المستقرة والقلقة التي كانت تمر بها تركيا،وبعد الانقلاب الكمالي وإعلان الاتحاديين الجمهورية وللتغييرات التي شملت النظام الجديد ، تم إلغاء دائرة مشيخة الإسلام أصلا،وهي التي تمس مترجمنا مباشرة كما تم إلغاء استعمال الحرف العربي واستبداله بالحرف اللاتيني،مما حدى بمترجمنا لقبول عرضا بالبقاء في مصر لتأسيس مدرسة خاصة بالخط العربي والزخرفة الإسلامية،وهكذا استقر مع عائلته في القاهرة،وبدأ بتدريس الخط العربي والزخرفة الإسلامية والتذهيب لمدة إحدى عشرة سنة في مدرستي(خليل أغا)و(الشيخ صالح) لتحسين الخطوط العربية في  القاهرة،وبراتب شهري قدره(نصف ليرة ذهبية وصدق وبنجاح متواصل ..
و قام الشيخ عزيز الرفاعي خلال مسيرة حياته الخطية بتدريس الخط العربي في مدارس مختلفة وعديدة،نذكر منها تدريسه في مدرسة القضاة،وكذلك في مدرسة الرشدية المحمودية العليا،وأعطى محاضرات للضباط في خط التعليق(الفارسي)في دائرة مشيخة الإسلام إضافة لعمله ككاتب فيها،وكانت جميع هذه المدارس في استانبول،كما قام بالتدريس في مدرستي خليل أغا والشيخ صالح في القاهرة فيما بعد سنة 1922م ولحين عودته لاستانبول ووفاته فيها صيف عام 1934م.
وقد أتقن الشيخ عبد العزيز الرفاعي جميع أنواع الخط العربي وتفوق فيها وترك بصمته الشخصية ونفسه فيها،وكان ماهرا جدا في المحافظة على الطرق المتداولة في كتابة النماذج الخطية وتنسيقها،كما أجاد في رسم التوقيعات السلطانية(الطغراء الخاصة بالسلطان) وقام بزخرفة وتذهيب كتاباته وخطوطه بنفسه شخصيا،كما كان ينمي هواياته بقيامه بصناعة الورق المجزع (الآبرو)شخصيا.
و قام بالتوقيع على أعماله وكتاباته المبكرة بـــــ(عبدا لعزيز الأيوبي) أو(عزيز) وأعماله المتأخرة وخاصة ماكتبه خلال مكوثه في القاهرة بمصربــــــــــــ(الشيخ محمد عبدا لعزيز الرفاعي) .
وكان قد أنجز ونفذ أعدادا كبيرة جدا من القطع والأعمال الفنية،وله لوحتين مؤطرتين في جامع بورصة الكبير،كما أنجز كتابة(12)مصحفا كريما, وكتب(6)حلي نبوية*بالخطوط المعروفة ولتتضح فيها براعته وأسلوبه المتميز في أعماله،ومن المعروف أن تدريسه للخط العربي،وتزعمه للتعليم والتوجيه والإبداع الفني لحركة الخط العربي عند إيفاده إلى مصر(4) لعب دورا كبيرا في إعادة الحياة للخط العربي في مصر ،حيث تتلمذ على يده كثيرا من الخطاطين(من المصريين والعرب) والذين قاموا فيما بعد بنشر وتدريس الخط العربي في مصر وأقطار عربية أخرى،نذكر منهم العراقيين مثلا الخطاط محمد طاهر الكردي المكي(الاربلي العراقي الأصل) الذي أجاز الخطاط العراقي محمد صالح الشيخ علي الموصلي والخطاط العراقي محمد علي صابر البغدادي والذي أصبح فيما بعد أستاذ الخطاط الفذ هاشم البغدادي شيخ الخطاطين العراقيين .
 كتب كراسة في تعليم خط التعليق واتصالاته مع قصيدة في ألمشق العام 1342 ﻫ في ثمانية صفحات (انظر الشكل رقم 4) ,وأتم كتابة قصيدة البردة بخط التعليق في (80)صفحة العام 1352ﻫ (انظر الشكل رقم 5) ،كما أتم كتابة كراسة أحسن النماذج في تحسين خطي النسخ والثلث العام 1336ﻫ في (20)صفحة(انظر الشكل رقم 6) ،وأتم كتابة القصيدة النونية بالألطاف الجليلة الربانية بخطي الثلث والنسخ العام 1336ﻫ في (27) صفحة والتي طبعت مرتين،الطبعة الأولى في القاهرة كانت طبعة رديئة،لحين قيام تلميذه الخطاط محمد علي المكاوي بطباعتها للمرة الثانية في القاهرة العام 1374ﻫ الموافق سنة 1954 م طبعة جيدة (انظر الشكل رقم 7) ،بالإضافة إلى هذه النماذج من الإعمال والخطوط هناك أنواع مختلفة لنماذج خطية ولوحات خطية مؤطرة يمكن ملاحظتها في المجاميع الخطية الشخصية أو المتاحف، وتعتبر مجموعة المهندس أكرم حقي نسيبه(زوج ابنة الشيخ عبدالعزيزالرفاعي) من أروع هذه المجاميع،كما إن القطع والمرقعات الصغيرة التي تركها في القاهرة خير شاهد على قدراته وغزارة إنتاجه وهو مااستحقه فعلالتلقيبه بسريع القلم بين الخطاطين.
 درس الشيخ عبد العزيز الرفاعي الخط العربي في تركيا ومصر ونورد هنا   :
أشهر تلاميذه من الخطاطين الأتراك :
أ.محمود بدر الدين يازر(ت:1952م) :
 خطاط مجيد ومتمكن في أنواع الخط العربي وخاصة الثلث وجليه والنسخ،كما قام بتأليف كتاب (الخط وروائعه في الحضارة الإسلامية/3 أجزاء) أشرف على طباعته مؤرخ الخط والخبير في مركز الأبحاث باستانبول (الخطاط والناقد الفني ومؤرخ الخط "التركي مصطفى اوغردرمان")،تم طبع الأجزاء الثلاثة في انقره الأعوام(ج1/1972،ج2/1974،ج3/1989).
ب.عمر وصفي أفندي(1880-1928):
 إمام وخطيب جامع البردة الشريفة باستانبول،وهو شقيق الخطاط البارع محمد أمين يازجي،ويعرف بدلي عمر لكثرة مزاحه،مهر وأجاد كتابات الجلي ثلث مقلدا بها طريقة سامي أفندي وتفوق في تقليدها .
ج.الحافظ أحمد حمدي تزجان أفندي:من الخطاطين البارعين في خط الجلي ثلث. 
   أشهر تلاميذه من العرب والمصريين:
ا.الخطاط الشيخ محمد طاهر الكردي المكي(العراقي الأصل ،ت:1980):
الذي أجاد كتابة أنواع الخط العربي ,له كراريس خطية في أنواع الخط العربي منها (نفحة الحرمين)،كتب مصحف الحرمين بخط النسخ،  وهو مؤلف كتاب (تأريخ الخط العربي وآدابه)طبع مرتين الأولى بالقاهرة 1939والثانية بجدة العام 1980 .
ب.الخطاط محمد علي المكاوي(ت:1975 م):
يعتبر من ابرع تلاميذه من الخطاطين المصريين,برع وأجاد في كافة الخطوط وخاصة الثلث وجليه،له عدة كراريس خطية في أنواع الخط العربي ،وقام بطباعة كراسة أستاذه الموسومة(القصيدة النونية بالألطاف الجليلة الربانية)العام 1954 في القاهرة.
ج.محمد احمد عبد العال:
أستاذ وخطاط بارع في أنواع الخط العربي ،كراريسه في أنواع الخط العربي( الثلث والنسخ والتعليق والديواني والرقعة المطبوعة بالقاهرة مطلع الستينات) تشهد له بعلو مكانته وطول باعه  وقدراته الخطية المتقدمة،وهو من أساتذة الخط العربي المصريين المتقدمين بمدرستي تحسين الخطوط العربية بالقاهرة والجيزة .

د.كل من الخطاطين(محمد أفندي الشحات،محمد رزق موسى،محمد أفندي حافظ،عبد القادر أفندي،نجم الدين أفندي،عبدا لرازق سالم،أحمد أفندي مختار،عبد الرحمن حافظ)ولهؤلاء الخطاطين آثار خطية كثيرة(كراريس خط،مرقعات،لوحات خطية،أمشق خطية)،ويكفيهم شهادة بحسن خطوطهم نماذجهم الكثيرة المنشورة في كتب الحاج عباس كرارة(الدين والحج،الدين والصلاة،الدين والصوم ،الدين والزكاة،الدين والشهادة،الدين والأدب، الدين والفن)،كما أن كتابي الباحث والمحقق التراثي فوزي سالم عفيفي(سجل الكتابة المشقية، وسجل الكتابة العربية) تزخر بنماذج خطية كثيرة لهم.
ولاختلاف البيئة ولتسبب المناخ في بعض المشاكل الصحية له فقد تقاعد وعاد إلى استانبول(5)،وبعد عودته بفترة قصيرة انتقل ا لى رحمته تعالى  عن عمر (62)عاما،وكانت وفاته يوم 16 آب 1934 م الموافق لليوم الخامس من جمادى الأولى لسنة 1353ﻫ،ودفن في مقبرة أدرنه قابي(6)في استانبول صورة شاهد قبره رحمه الله رحمه واسعة وجعل الجنة مثواه آمين. 
أ.أجاز كل من الخطاطين العراقيين:
أولا.محمد علي صابر في العام(1928)م في القاهرة والمنشورة صورتها مع هذا التحقيق، وهو أستاذ المرحوم الخطاط هاشم البغدادي والذي أعاد لبغداد وجهها المشرق في الخط العربي وماضيها الخطي التليد من خلال أعماله الفنية والخطية الكثيرة.
 ثانيا.محمد طاهر الكردي المكي الاربلي الأصل،عند دراسته في مدرسة تحسين الخطوط العربية بالقاهرة في الثلاثينات من القرن الماضي/ والذي أجاز الخطاط الموصلي محمد صالح الشيخ علي الطائي،خلال مروره ببغداد إلى اربيل العام (1945)م.
ب.له مجموعة من الكراريس الفنية الخطية، والتي تعتبر بحق مراجع في فن الخط العربي للخطاطين ومنها الكراريس التالية:
أولا.أحسن النماذج الخطية لتحسين خطي الثلث والنسخ:وهذه الكراسة مشق عليها وقلدها وسار على نهجها الكثير من الخطاطين العراقيين المتقدمين ومنهم الخطاطون عبد الغني العاني (وهو الخطاط الوحيد الذي أجازه الخطاط هاشم البغدادي)ومهدي الجبوري وصادق الدوري(وقد استشهد الخطاط وليد الاعظمي بكتابه تراجم خطاطي بغداد بنموذج له يقلد فيه الرفاعي من هذا الكراس والنص هو (وبه نستعين ونستجير...) وحميد السعدي وعبدا لرضا بهية وغيرهم كثيرون، وأخيرا فان الخطاط العراقي الكبير عباس البغدادي قام بتقليدها ومحاكاتها في كراس الخط العربي الذي كتبه والمعروف(ميزان الخط العربي)والذي طبعه ببغداد العام( 1988) م.
ثانيا.القصيدة النونية بالألطاف الجليلة الربانية:وهي الأخرى قلدها ومشق عليها الكثير من الخطاطين العراقيين المعاصرين، وذلك لكون كتابات خط الثلث فيها قوية وموزونة ومرتبة ومسطرة بطريقة متقدمة ومفيدة, وهي تعطي للخطاط الملكة الخطية المتقدمة في كتابات خط الثلث على الأسطر المتعاقبة،أورد الخطاط وليد الاعظمي تمارين للخطاط عبد الغني العاني استشهادا عليها في كتابه تراجم خطاطي بغداد(ص 301-304).
ثالثا.كراسة في تعليم خط التعليق: وهذه الكراسة تم طبعها مرتين الأولى في القاهرة والثانية طبعت في بغداد /دار الكتب العراقية/من قبل السيد محمد اعتماد ألكتبي ،فيها الفباء حروف خط التعليق والاتصالات وأبيات شعرية والكراسة مكونة من( 8) صفحات.
رابعا.كراسة في القصيدة المنفرجة بخط التعليق:تمت طباعتها في القاهرة وهي كراسة جميلة وبديعة تحوي أبيات شعرية للقصيدة المنفرجة، ،تمثل خط التعليق  وكتاباته على الطريقة والأسلوب التركي،زادت عدد صفحاتها على الثمانين صفحة.
خامسا. كراسة في الخط الديواني : طبعت في القاهرة ولاتتجاوز صفحاتها (15) صفحه ,كتبها على طريقة الديواني التركي.
ج.قطع ونماذج لوحات خطية مطبوعة على قطع ورقية أو كارتون منتشرة في المساجد والجوامع المحلات والأسواق والبيوت.
د.عدد من المصاحف(12) مصحفا والتي كتبها بخط يده، ومنها مصحف فؤاد الأول الذي قضى ستة أشهر في كتابته، وستة أشهراخرى في زخرفته كما ذكرنا.

مميزات خطه التي ميزته عن باقي الخطاطين :

لقبه العارفون بفن الكتابة الخطية بأمير الخط العربي في القرن العشرين يعتبر بحق، وعدته ركناً مجدداً للخط العربي في مصر. وقد ذكر في أحد المصادر انه كان يجيد اثنى عشر نوعاً من الخط إجادة تامة إلى جانب إجادته التامة لفن التذهيب والزخرفة.
ومن مميزات الرفاعى الخطية أنه كان يقلد كبار الخطاطين تقليداً دقيقاً، ويذكر ذلك في صلب اللوحة التي يكتبها، كما كان بارعاً فى الكتابة المرسلة والمدمجة والمركبة. و لما كتب القصيدة النونية راعى فيها جميع القواعد الفنية التي يجب إتباعها في كتابة خط الثلث. وراعى في كتابته أن تشتمل على جميع أشكال الحروف التي يستعملها الخطاط في كتابته، والتي أبدعها الخطاطون السابقون من اختزالات و اختلاسات وغيرها من التصرفات. كما التزم بروح التشكيل التي يجب أن تكون سائدة في خط الثلث، وقام بالتصرف فيها بشكل يؤدى إلى جمال الكتابة والتزم بذلك. و لم يقم الرفاعى بأداء كتابة شاذة، أويغير في شكل الحروف أو ميزانها، تحت حجة التركيب وغيره من الحجج، كما يفعل غيره من الخطاطين.
كما انه التزم بأن تكون كتاباته متسلسلة في حالة الإرسال والتركيب، فلا يقدم حرفاً على حرف ولا مقطعاً قبل مقطع، فهو ملتزم بسلوك الورعين الذين يحافظون على سلامة الكتابة القرآنية تسهيلاً يساعد على تسلسل قراءتها. والرفاعى أبدى براعته في الكتابة في جميع الإشكال الهندسية، وكتب لوحات جامعة لكل أنواع الخط العربي، كما برع في التراكيب الخطية، و كان ميزان كتابته في خط الثلث ميزاناً مضغوطاً نوعا ما، بحيث ظهرت حلاوة هذا الأسلوب في كتابته المرسلة، وغيره قد يزيد من اتساع بسط القلم مثل حامد الآمدى، بحيث لو وضعت لوحتين من كتابة هذين الرجلين لظهر الفرق واضحاً في حلاوة خط الرفاعى.
الخاتمة:
 يعتبر الشيخ عبد العزيز الرفاعي من الخطاطين البارعين والمتميزين والمؤثرين في توجيه وتعبئة حركة الخط العربي، وله الفضل في إحياء حركة الخط العربي وإعادة الحياة إليها عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي في العالم الإسلامي عموما والعالم العربي و مصر خصوصا للأسباب التالية:
ا.كان الشيخ الرفاعي(رحمه الله)غزير الإنتاج،ولاتزال القطع والأعمال الخطية التي نفذها تطبع ويتم تد اولها في معظم البلدان العربية والإسلامية مصر وتركيا خاصة.
ب.كتب مجموعة من الكراريس والامشق المميزة والخطوط وعناوين الكتب والقطع واللوحات الفنية الخطية،والتي تدرب وجود عليها الكثير من الخطاطين  للوقت الحاضر.
ج.درس وأجاز مجموعة كبيرة من الخطاطين وبرز عدد كبير منهم، وبهم وبواسطتهم استمرت سلسلة الخط والخطاطين الأتراك والمصريين والعرب(ذكرنا عددا منهم سابقا).
د.أتقن وتمكن وأجاد وبرع في جميع أنواع الخطوط العربية التي درسها وكتبها،وخاصة الثلث والجلي ثلث والنسخ والطغراء والتعليق والجلي تعليق والديواني والجلي ديواني،يكتبها بسلاسة وسرعة وبأسلوب أخاذ ومحبب وأصبح المثال الذي يحتذى به في سلسلة الخطاطين المشهورين،فهو يجيد التراكيب الصعبة والمتداخلة ولا يجد مشقة في تركيب أية عبارة يريد كتابتها بل أنك تجد حروفه تبدو دليل على صحة ما أشرنا اليه .
ﻫ.برع وأجاد وأتقن في زخرفة اللوحات الخطية التي كتبها،كما أجاد وتفوق في عملية صناعة الورق المجزع(الآبرو)وتزعم حركة الخط ولقب بأمير الخطاطين لمكانته وتمكنه وفنه وأصبح سفير الحرف العربي في القاهرة عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي في وقت كانت فيه حركة الخط العربي تحتضر في تركيا بعد الانقلاب الكمالي وتبديل الحرف العربي بالحرف اللاتيني،وللسبات الذي كان يخيم على ساحة الخط والحرف العربي في مصر والبلدان العربية الأخرى .

المقالة منشورة على صفحات مجلة مناهل جامعية العدد (53) لسنة 2014الصادرة عن  جامعة الموصل

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

"الموصل وجمهرة خطاطي النسخ" ................كتاب للمهندس الخطاط الأستاذ عبد الرزاق الحمداني........ا.د.إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث –العراق


"الموصل وجمهرة خطاطي النسخ"

 ..كتاب للمهندس الخطاط الأستاذ عبد الرزاق الحمداني 

ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –العراق


سعدت كثيرا بتكليفي من المهندس الخطاط الموصلي الأستاذ عبد الرزاق الحمداني لكتابة تقديم لكتابه :" الموصل وجمهرة خطاطي النسخ " والذي اضطلعت جامعة الموصل –مركز دراسات الموصل بطبعه في دار ابن الأثير للطباعة والنشر –الموصل 2011 .ومما كتبته في التقديم أنني اطلعت من خلال تصفحي للكتاب على الدافع الحقيقي وراء تأليفه فوجدت انه دافع علمي موضوعي ، ففي توثيقه لجمهرة خطاطي النسخ في الموصل ،اعتمد المؤلف مصادر متنوعة مادية وحية . ومما أفرحني حقا تطعيمه الكتاب بلوحات جميلة وصور للخطاطين الموصليين الذين برزوا في هذا النمط من الخط العربي .ابتداء من السري الرفاء وعثمان بن جني و عبد الله بن مقلة وانتهاء بفائق الدبوني ومحمد صالح الشيخ علي وأياد الحسيني وعلي حامد الراوي    وعبد الرزاق الحمداني وطالب العزاوي ومحمد موسى وخليل إسماعيل ورعد ريثم ومؤمن مصدق. ثم أضفت –في معرض إبراز أهمية الخط الجميل – أن في تراثنا العربي الإسلامي قول للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه جاء فيه : "الخط الحسن يزيد الحق وضوحا " .وخط النسخ هو الكتابة بخط واضح وحسن وهو النمط الأكثر تداولا وشيوعا بين الخطوط المعروفة وخط النسخ لايزال محط أنظار المبدعين من الخطاطين والمدرسة الموصلية لاتزال كل يوم تتغذى بدم جديد من الخطاطين .

أما الأستاذ الدكتور ذنون الطائي مدير مركز دراسات الموصل ناشر الكتاب، فوضع مقدمة للكتاب قال فيها : "لا نغالي حينما نقول بأن مدينة الموصل هي إحدى أشهر الحواضر العربية التي أنجبت الخطاطين المبدعين الذين بزوا أقرانهم في أرجاء المعمورة. فمنذ القرن الثامن عشر برزت جمهرة من الخطاطين الذين وشحوا أعمالهم بآيات الفن والإبداع أمثال: سلطان الجبوري وخليل ابن عمر خدادة وقاسم بن محمد حسن، وقد تتلمذ عليهم ابرز خطاط عرفته الموصل حينذاك، بل العراق والأقطار العربية كافة وهو صالح السعدي الموصلي الذي أجاد جميع أنواع الخطوط اليدوية واشتهر بإجادته لخط الثلث والنسخ.كما شهد الخط العربي منذ ستينيات القرن العشرين نهضة فنية هائلة في جماليات الخط بأنواعه المعروفة وتشكيلاته الأخاذة وروعة الخطوط التي ازدانت بها واجهات المساجد والجوامع والمحاريب والمنابر، على أن الاهتمام بذيوع الخط العربي وصل إلى المدارس الابتدائية والثانوية ضمن مفردات مادة اللغة العربية وبكراسات للخط العربي المقررة من وزارة المعارف ثم التربية. وهذا ما أدى إلى صقل العديد من المواهب الفنية وجعل اللغة العربية واقترانها بالخط العربي مادة محببة لدى الناشئة والجيل الجديد. وحسناً فعل المهندس عبد الرزاق الحمداني الذي كرس جهده لسنوات طوال في البحث والتتبع لآثار نخبة من رواد الخط العربي المعاصرين في مدينة الموصل، ولأعمالهم الفنية وحرص على تسجيل كل ما يتعلق بمسيرتهم الفنية الطويلة وجمعهم في مؤلف هو بمثابة سفر للخطاطين في مدينة الإبداع والمبدعين والفن والفنانين، فللحمداني كل التقدير على تلك الجهود المضنية التي بذلها وهو ليس غريباً عن جمهرة الخطاطين، فهو من مبدعي هذا اللون الفني الجميل. وهو ما اعطى لهذه الدراسة ثقلاً نوعياً وعلمياً وفنياً في التناول والسرد والعرض".
يقول المؤلف في كتابه الجميل والمفيد أن بوادر الاهتمام الأولى بخط النسخ ابتدأت في عهد الدولة الحمدانية في الموصل مطلع القرن الرابع الهجري-العاشر الميلادي. ومن ابرز خطاطي ذلك الزمان أبو عبد الله الحسن بن علي بن مقلة الخطاط الشهير(أخو الوزير بن مقلة) وقد تبعه من النساخ في الموصل ياقوت الملكي ومحمد ألبدري ويحيى الو اسطي وبن المبارك الموصلي وبن بلدجي وعلي العلوي الحسيني وزين الدين شعبان ألآثاري القرشي وقد انتقل المؤلف ليتكلم عن الخط بعد أن تبعت الموصل الإدارة العثمانية وأشهر الخطاطين بداية القرن العاشر الهجري –السادس عشر الميلادي وليتبعها بخطاطي الموصل مع حكم الأسرة الجليلية لها وليعرج على الخطاطين في الموصل قبل وبعد قيام المملكة العراقية سنة (1921) م مرورا بعلي الجميل وملا عبد حسين الحكاك وفائق الدبوني وصالح الشيخ علي ويتبعها بالحركة الخطية الجديدة في الموصل أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات من القرن الماضي مرورا بالخطاط الكبير يوسف ذنون وحازم عزو العلاف وعلي الراوي وعبد الغني الجوالي وعباس الطائي وإبراهيم الرفاعي وقصي حسين آل فرج وعمار الرفاعي ومروان حربي وإياد الحسيني وعبد الرزاق الحمداني وزكريا حمودي وفاخر زهير وقحطان غانم وأكرم ذنون وعلي الفخري وخليل الحمداني ومحمد موسى النعيمي مشيرا لكل من شارك بمسابقة خط مصحف قطر أيار العام 2002 م من خطاطي النسخ في الموصل ومنهم محفوظ ذنون العبيدي , ولكون الخطاطات الموصليات لهن تواجد على ساحة خط النسخ فقد أورد خطاطات لأربعة عقود كنماذج لخطاطات النسخ في الموصل. ثم تكلم عن جيل الشباب من خطاطي النسخ في الموصل ممثلا بالخطاطين صلاح دوسكي ورعد الحسيني وعمار الدليمي ومحمد الراوي وعلي حسان الرفاعي ومحمد سلطان الطائي ثم تكلم عن خطاطي الموصل اليوم وتواجدهم على الساحة الخطية الدولية واستمرار حركة الخط العربي في الموصل أعقبها بالمصادر والمراجع العربية ثم المحتوى وشغل الكتاب (251 صفحة) من القطع المتوسط الذي قام بكتابة عنوانه و خطوطه مؤلفه وصمم الفنان التشكيلي حكم الكاتب الغلافين الخارجي والداخلي للكتاب موضحا بنماذج خطية وصور للخطاطين الذين فاقت أعدادهم المائة والعشرين خطاطا وخطاطة.


ان ما قدمه صديقنا الأستاذ المهندس عبد الرزاق الحمداني سيكون له مكانة ،لاشك ستكون متقدمة في المكتبة الخطية العربية.

ويذكر أن المؤلف من مواليد الموصل سنة (1957 م) وحاصل على البكالوريوس بالهندسة الميكانيكية/جامعة الموصل(1979م) وهو رئيس مهندسين أقدم منذ العام 2002م ومجاز من شيخ الخطاطين العثمانيين حامد الآمدي سنة (1978م) وترأس الهيئة الإدارية لجمعية الخطاطين العراقيين /فرع نينوى (الموصل) بدورتها الخامسة وله أربعة كتب تتحدث عن الخط والخطاطين في الموصل (منها كتابنا هذا الأول) والثاني.( خطاطو الموصل المعاصرون) يحتوي على تراجم وسير فاقت في أعدادها الستين مبدعا وخطاطا من القرن العشرين في الموصل (طبع في دار بن الأثير للطباعة والنشر بجامعة الموصل (ويحمل رقم الإيداع بدار الكتب والوثائق ببغداد (1316) لسنة 2011). وله كتاب ثالث ينتظر الطباعة قريبا بعنوان : تراجم الخطاطات الموصليات المعاصرات) وترجم فيه لأكثر من عشرين من خطاطات الموصل في الوقت الحاضر. كما أن له العديد من البحوث الفنية والخطية والتراثية في الصحف والمجلات العراقية وهو باحث علمي وتراثي وحاليا عضو الهيئة الاستشارية لمجلة الموصل التراثية التي تصدر عن دار ألمازن في الموصل .