الجمعة، 30 مايو 2014

الخطاط الشــــيخ فـــــــــائق الـــــــــــدبوني


الخطاط الشــــيخ فـــــــــائق الـــــــــــدبوني (1889-1961م) :

                                                                                                المهندس عبد الرزاق الحمداني
فائق صالح عبد القادر يونس الدبوني العبادي (يرحمه الله)  
 , كان عالماً وكاتبا وخطاطا واحد رواد الحركة الفكرية في الموصل
 منتصف القرن العشرين , وممن اتسموا بالخلق الرفيع وصدق العلاقة والوفاء مع أصدقائه ومحبيه .. شجاعا ولا تأخذه في الحق لومة لائم , ذو بلاغة وفصاحة فشب خطيبا بارزا مؤثرا في المصلين .. عرف بالدعوة للإصلاح والتمسك بتعاليم الإسلام ونشر مفاهيمه وقيمه العالية ورغم شيخوخته الدينية تميز بسيدارته وكان يتخذ لباس الأفندية([1]) في أخريات أيامه وعرف بين الناس بـ (فائق أفندي ) , ويسرني أن أقدم في هذا البحث شيئا عن سيرة وحياة وجهاد ومشوار هذا الشيخ الجليل والمربي الفاضل والكاتب الخطاط الذي يعد بحق حلقة وصل بين جيلين من الخطاطين في مدينة الموصل  وليطلع جمهورنا والمهتمين بالثقافة في مدينة الموصل  والنشأ من أبنائنا  من خلال سيرته العطرة على واحدة من سير شيوخنا ومفكرينا وعلمائنا الأعلام وخطاطينا وكتابنا لتكون منارا لهم  ويعم النفع بها ..


والده صالح بن عبد القادر بن يونس الدبوني (1847- 1937م)  كانت ثقافته دينية , دخل المدارس الرسمية وأصبح من موظفي الدولة العثمانية([2]) , عمل بوظيفة مالية في ديوان ولاية الموصل (وآخر ماتقلده من وظائف: مدير واردات) ، كان له مجلس في بيته بمحلة جامع خزام وكان مجلسه يجتذب السياسيين العراقيين الذين كانوا يزورون الموصل  ، 
وهو عميد الأسرة الدبونية التي تنحدر في أصولها من الأسر العربية الصيّادية الرفاعية (السادة العبادة(  حسب ما أشار إليه موقع المجمع العالمي لأنساب العرب الالكتروني على شبكة الانترنت , والدبوني([3]) نسبة إلى دبون ، ودبون كلمة تركية اوغوزية مؤلفة من مقطعين وتعني "النسب الكبير" أو العالي .

 مترجمنا هو ( فائق بن صالح بن عبد القادر بن يونس بن قاسم بن حسن بن يونس بن درويش بن محمد بن الأمير عامر بن شولي بك بن علي الهاشمي الكبير بن محمد بك بن أحمد بن خضر بن يوسف ابن خضر بن بدر الدين بن تاج الدين مبارك بن سيف الدين عثمان بن السّلطان علي الكبير بن يحيى النقيب بن ثابت بن الحازم علي أبو الفوارس بن أحمد الثّاني بن علي أبو الفضائل بن حسن رفاعة بن مهدي المكي الكبير بن محمد أبو القاسم بن حسن القاسم بن الحسين المحدّث بن أحمد الصّالح الأكبر بن موسى الثّاني أبو سبحة بن إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام) , كما أنه يطلق على آل الدبوني ويعرفون  بآل درويش , أعقب جدهم السيّد درويش ثلاثة رجال هم :
علي ويونس وجرجيس، والأخير انقرضت ذريته, أما علي ويونس فيمثلهم السيّد ثائر بن السيد هاشم بن السيّد فائق بن السيّد صالح بن عبد القادر بن يونس ,  ولد  مترجمنا في الموصل سنة (1889م) ,ولكون عائلته من العوائل الميسورة في المدينة ، فقد تربى في كنف والده وعاش عيشة هنية, ورعاه والده وواكب تربيته تربية دينية إسلامية ([4]) , وغرس في نفسه حب العلم والاستزادة من الثقافة, وكان في مكتبته أحد عشر كتابا([5]).
 دراسته وطلبه للعلم على شيوخه :
وفي بداية حياته ادخله والده المدرسة الرشدية بالموصل (وهي من المدارس الحكومية الرسمية التي أقامها العثمانيون في الموصل ) ..  فدرس في المدرسة الرشدية ([6]) وبعد إنهاء دراسته فيها ،درس مبادئ علوم الشريعة الإسلامية على الأستاذ الشيخ صالح الجهادي(المعروف بمهنته صالح البربر"الحلاق").
وانصرف  الشيخ الدبوني([7]) إلى الدراسة وتعلم اللغات وأتقن اللغتين التركية والفارسية إضافة إلى العربية, اتقانا كاملا , و أطلع على اللغة الكردية والإنكليزية وشيء من الفرنسية .. وكتب الكثير من المقالات والإشعار في الأدب الفارسي والأدب الصوفي, وأهتم بعلم الأنساب و كانت له مجموعة من القصائد الشعرية لم يتسن له نشرها ويبدو للمتتبع أنها فقدت لاحقا..
ومترجمنا هو من العلماء الأعلام العاملين والموجهين والمرشدين المعروفين في الموصل، العام (1921) اتصل بالشيخ ألرضواني  ودرس عليه علوم الشريعة وأجازه فيها وقد خصه بعلوم كثيرة أستخلفه فيها لتضلعه بالتصوف والطرق الصوفية وكان حجة([8])بموضوع(دلائل الخيرات) وأخذ عنه خلق كثير في هذا العلم ,وله قصة ( مشهورة مع شيخه الرضواني وحادثة سقوط سقف غرفته بالمحاكم بموقعها القديم قبالة جامع النبي شيت(عليه السلام) معروفة ومشهورة) ، ودرس علم الحديث روايته وأصوله على الشيخ احمد الجوادي وأجازه فيها ، والتجويد بقراءة حفص عن عاصم على الشيخ محمد صالح الجوادي([9]) وأجازه فيها (وقد وهم المختار في كتابه تاريخ علماء الموصل ,ص:46 حينما ذكره بقوله(أجيز  في القراءات السبع القرآنية من قبل الشيخ محمد صالح الجوادي ) ،كما درس الخط على  أستاذ الخط المعروف في المكتب الإعدادي احمد محمد طاهر عبدا لله الصائغ والذي أجازه في أنواع الخط العربي, ومع هذا التحقيق نموذج له بخط النسخ([10]) وهو حديث (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس) ونموذج آخر صفحتين ( بخط الرقعة لكتاباته من رباعيات عمر الخيام ) اخترتها من مخطوط للرباعيات كتبه بخط يده بحروف جميلة وبحجم صغير وبديع  ,ونموذج ثالث بيتين من الشعر(كن عن همومك معرضا)والنماذج الثلاثة مكتوبة بقلم عادي وليس قلم خط أو قصبة عريضة وهي تميل لكونها كتابة عادية ونسخا وليست خطا ولم أعثر له على قطعه خطية معتبرة كما هي لوحات الخطاطين المعروفة.

الوظائف التي شغلها:
في سنة 1907م تم توظيفه بدرجة كاتب في محاسبة البلدية ولم يبق بها طويلا فترك الوظيفة ...  ثم عاد بعد ذلك للوظيفة كاتباً في المحاكم المدنية في الموصل ولكونه موظفا جيدا فقد تشجع رؤساؤه على رعايته ليتدرج بسرعة وظيفيا من كاتب ضبط ليصبح رئيس كتاب في محكمة جزاء الموصل ، وفي سنة 1935 رشح نفسه لإشغال وظيفة القضاء الشرعي في محاكم الموصل([11]) لكنه عاد فسعى لإعفائه منها وآثر البقاء في عمله(كرئيس كتاب للمحكمة) الذي أستمر فيه قرابة الأربعين سنة كان فيها مثالا للموظف الأمين والنزيه([12]) والكفء لحين تقاعده العام 1949 .  
مؤلفـاته([13]):
 أبدع الشيخ الدبوني بتأليف عدد غير قليل  من الكتب والموضوعات القيمة ، وبقيت مخطوطة غير منشورة (نأمل من أحفاده نشرها لاحقا لتعم فائدتها) ، نذكر منها :
كتاب يبحث في الصلوات , و كتاب في الدعاء والتهجد,كتاب تمييز الحلال من الحرام وهو كتاب عملي استند فيه على الفتاوى الشرعية المتفق عليها بالكتاب والسنة, و ملخصات للدرس والتدريس في علوم الآلة والمادة نقلا وعقلا,  و الإسلام والحضارات الإنسانية,
مجاميع مختارة لنصوص أدبية مع شروح وتعليقات مفيدة ,  مجموعة لتراجم ودراسة بعض الشخصيات من الصحابة الكرام, مجاميع وعظ وإرشاد ديني, مجموعة لشرح بعض الأحاديث القدسية, تفسير بعض النصوص القرآنية, دراسة في التاريخ الإسلامي, وكتاب الأذكار( سبق له أن تلاه على شيخه الرضواني فنال إعجابه) .
له دراسات أدبية واجتماعية وقرآنية صدرت بجريدة الهدف (الموصلية )  بصورة متفرقة .

تلاميذه في الخط العربي:
درس الشيخ فائق الدبوني عددا وفرا من التلاميذ في علوم الشريعة والخط العربي , ومن أبرز تلاميذه في فن الخط العربي الخطاط المثابر عاشق الورد الميكانيكي والجقماقجي الماهر والمصور صاحب الهوايات المتعددة والمتجددة المثابر(محمد صالح الشيخ علي الطائي الموصلي), والخطاط محمد صالح الذي يعتبر المطور الأول للإعلان والدعاية في العراق ثلاثينيات وأربعينات القرن الماضي في بغداد والذي أجيز بالخط العربي من أستاذه الشيخ فائق الدبوني الذي يعتبر حلقة الوصل الخطية بين الجيل القديم من خطاطي الموصل والجيل الحديث , ولم أقف على هذه الإجازة ولا على تاريخها بالرغم من بحثي وسؤالي للمقربين من ( كاتبها  ومؤ جزها وأولادهما وأحفادهما) كما أنني لم أشاهدها ولا اعرف تأريخها ، إلا أن الأستاذ عبدا لقادر فائق الدبوني ( يرحمه الله ) عند زيارتي له ببيته العام 2006 حدد تاريخها بين الأعوام 46-1950، واخبرني : بان الخطاط محمد صالح كان قد طلب الإجازة من والده بعد حصوله على إجازة الخط من الخطاط محمد طاهر الكردي المكي ، وذلك كي تعينه للتوظف في ديوان الأوقاف بعنوان خطاط وبدون إجازة فانه سيتم تعيينه مساعد خطاط ، وأجابه الشيخ الدبوني على أن يحضر في مجلسه بمحلة جامع خزام يوميا قبل صلاة المغرب لمدة شهرين لإجراء بعض المراجعات والتوجيهات وقد تم لهما ماأرادا ) وتكمن أهمية هذه الإجازة بكونها الامتداد الطبيعي لحركة وسلسلة الخط العربي في الموصل وهي تمثل السلسلة المتواصلة لامتداد هذه الحركة من القرن الثامن عشر إلى القرن التاسع عشر فالقرن العشرين ، وسلسلة الإجازات الخطية التي تنتهي بإجازة الخطاط الشيخ فائق الدبوني لتلميذه محمد صالح الشيخ علي سبقتها إجازة الدبوني من الخطاط احمد الصائغ والذي أجيز هو الآخر من والده الخطاط محمد طاهر الصائغ والذي أجيز بدوره من والده الخطاط عبدا لله الصائغ وهكذا هي سلسلة الخط ترتقي في الموصل من خلال هؤلاء الأعلام .
أولاده: أعقب الشيخ فائق الدبوني خمسة أولاد هم:
سالم فائق الدبوني ( 1910_ 1974)  و حازم فائق صالح الدبوني (1919-1996 ) و عبد القادر فائق صالح الدبوني (1927-2009 ) و هاشم فائق صالح الدبوني (1929-1959 ) و محمد فائق صالح الدبوني (1930_2006) م يرحمهم الله جميعا .


المقاله منشورة بالتفصيل / مجلة موصليات  العدد (  )/ مركزدراسات الموصل /جامعة الموصل