السبت، 29 نوفمبر 2014

الخطـــــاط زكريا عبدالقــــــــادر احمد الطــــــــائي الموصـــــلي استذكار سيرته في الذكرى الحادية عشر لوفاته الخطاط المهندس عبدالرزاق الحمداني

الخطـــــاط زكريا عبدالقادر احمد الطائي الموصلي      استذكار سيرته في الذكرى الحادية عشر لوفاته                       الخطاط المهندس عبدالرزاق الحمداني

الخطاط زكريا عبدالقادر احمد الموصلي   




                                                      من اعمال الخطاط زكريا عبدالقادر احمد الموصلي         

من اعمال الخطاط زكريا عبدالقادر احمد الموصلي

الخطاط زكريا عبدالقادر احمد الموصلي




من اعمال الخطاط زكريا عبدالقادر احمد الموصلي

حينماطرق سمعي خبر وفاته لم أتمالك عصابي واغرورقت عينايّ بالدموع الحارة مسترجعاً ( إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول  ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) رافعاً كفيّ إلى السماء سائلاً المولى العلي القدير أن يتغمد الفقيد برحمته الواسعة مهدياً ثواب قراءة سورة الفاتحة لروحه الطاهرة ، كان ذلك يوم الجمعة الخامس من شهر شوال سنة 1424 هـ الموافق 28 شهر تشرين الثاني سنة 2003 م ، لقد تملكني في تلك اللحظات شعور غريب وإن كنت متوقعاً سماعه خلال ثلاثة أعوام أنقضت ، لقد تمكن المرض من هذا الرجل الباسم ، سارقاً ابتسامته المعهودة أولاً ثم أرطال اللحم المكتنز على جسمه يوماً بعد يوم . فقد اختفت بطنه المترهلة وذوى صدره الواسع العريض, إن ذوالبشرة البيضاء المتشربة بالحمرة والعينين الخضراوين اللامعتين والهمة والنشاط, أصبح بطيء الحركة ذائب الكرش رشيق القوام باهت الابتسامة مجهدا لأقل الحركات , في تلك اللحظات استذكرت حياته ومسيرته رحمه الله ، فهو من مواليد محلة الحمام المنقوشة في الموصل سنة 1956, درس في مدارسها المختلفة في النظامية الابتدائية ثم متوسطة الفاروق ثم الإعدادية الشرقية (الفرع الأدبي ) بعدها كلية الإدارة والاقتصاد/ جامعة الموصل , وتخرج منها في العام الدراسي 78 ـ 79 قسم الإدارة بتقدير جيد جداً . وبعد إكماله الخدمة العسكرية لسنوات طويلة عين موظفاً حسابياً في المصرف العقاري بالموصل ، ولما لم تكن لديه الرغبة للاستمرار بالخدمة الوظيفية لأكثر من بضع سنوات كاد يختنق من الدوام الرتيب ,ترك الوظيفة ليتخذ الخط العربي مهنة وهواية معاً . تزوج سنة 1983 وهو أب لابنة وثلاث أولاد ، ابنتـه بـراء وأولاده إسلام وحذيفة وقتيبة الذي لم يترك لهم إلا القليل من متاع الدنيا ورحمة الله تعالى وشقة متواضعة في حي الخضراء .
بدايتـه مع الحـرف العربـي : 
كانت بداية زكريا مع الخط منذ نعومة أظفاره حيث كان الأستاذ طارق برهان في المدرسة النظامية الابتدائية هو الذي شجعه وأخذ بيده فكان ذلك بداية مشواره مع الخط ، ثم توجيه وتشجيع الأستاذ نذيـر الصفار ( رحمه الله ) الذي أعطى مفتاح المرسم لزكريا ليكتب ويزوق ويسـتفيد من الإمكانيات الفنية المتوفرة في متوسطة الفاروق لممارسة هوايته وتطويرها . ثم كان اشتراكه في دورة خط الرقعة على قاعة الإعدادية الشرقية سنة 1970، والتي كانت الأساس في تكوينه الفني الخطي. من ذلك الحين جعل من غرفته مشغلاً ، أوراق متناثرة وأصباغ متعددة وقصب بأحجام متنوعة وأحبار مختلفة ، وعلى الحائط لوحات خط مجردة ، عندما يريد الجلوس للتمرين والكتابة يكون إبريق الشاي قربه فيحتسي الشاي ويدخن (البايـب ) ويستمع خلالها إلى أغان وموسيقى شرقية معبرة ويستمر في جلسته حتى بزوغ الفجر في كثير من الأحيان, وهذا ديدن كثير ممن يريد أن يكون خطاطاً مبدعاً بالجهد والمثابرة والسهر الطويل لأن الرغبة والتمرين المستمر لابد أن يعطيان ثمارهما الوارفة ولو بعد حين ,كان رحمه الله مغرماً بزيارة جوامع بغداد التي أبدع في خطها المرحوم هاشـم البغدادي والتقى خلال زياراته لها الأستاذين مهدي الجبوري وصلاح شيرزاد. 
أســـاتذته في الخـط العربـي :
بداية دراسته المنهجية للخط العربي عندما التقينا الأستاذ يوسف ذنون في دورة خط الرقعة على قاعة مسرح الإعدادية الشرقية بالموصل شباط 1970 ، تلك البدايات التي جعلته يواصل مع أستاذه للسنوات الخمس التالية ,تعلم فيها خطوط الرقعة والديواني والتعليق والنسخ والتي كان يكتبها بكل شوق وتمكن .
حدثني الأستاذ يوسف ذنون عنه قائلاً : كان تقبله لدرس الخط جيداً ، مواظباً على الدرس ويتقدم بسرعة ، خاصة وأنه كان مع مجموعة جيدة من طلبة الخط وكان التنافس بينهم شديد ، من أبرزهم حارث محمد زكي وبشير محمد لو قدر لهما الاستمرار لكانا في مقدمة الخطاطين ، لكن الله اختارهما لجواره الكريم . 
درس على يديه الرقعة ثم الديواني الذي أجاده في زمن قصير سنة 1973 ، وبدأ يتقطع ويمر ومعه نماذج من تعلمه الخطوط الأخرى كالتعليق والنسخ.
لقد أنجز دراسة أربعة أنواع من الخط مع أستاذه الأول حتى العام 1975,والذي تعرف فيه على الخطاط الشيخ علي الراوي الذي أصبح أستاذه الثاني في دراسة الخط العربي ,استمر يتعلم معه إلى أواخر الثمانينات وصل فيها مستوى مرموقا ونال منه الإجازة في أنواع الخط العربي المعروفة ( الثلث والنسخ )* .
يستذكر الشيخ علي حامد الراوي دراسة زكريا عليه فيقول : كان شغوفاً بالتعلم مواظباً على إتقان الدرس ، لا ينتقل إلى غيره حتى يقتنع معي بضبطه ، وقد أتقن عليّ معظم الخطوط المعروفة من القديمة والحديثة وأخص بها الخطوط الليـنة من الثلث والنسخ والتعليق والديواني والرقعة ، وكان يكتب الآيات القرآنية ويجيد كتابة الأذكار واللوحات الخطية بمختلف الخطوط متميزاً بشكل عال في خطي التعليق والنسـخ , هذا وقد شغلته الخدمة العسكرية الإلزامية و متطلبات الحياة عن مواصلة دروسه كباقي الخطاطين في العراق ، ثم داهمه المرض سريعاً ليحطم كل شئ ، لقد كنت أتأمل له مستقبلاً كبيراً إذ كان حرفه متقناً ونظيفاً وموافقاً للقواعد المتعارف عليها عند الخطاطين ، لكن أمر الله سبق. 
ويذكر زميله عبد الحميد حسين أنهما درسا سوية خط النسخ عند الخطاط عمار عبد الغني ، أخذ زكريا درسين أو ثلاثة في النسخ على أسلوب محمد شوقي التركي بعد تحوله عن أسلوب هاشم البغدادي وهو ما يبدو واضحاً في مشاركته في مسابقة كتابة مصحف قطر أواخر شهر نيسان سنة 2002 والمنشورة صورة صفحتين منها في هذا البحث . 
طريقتــه وأســلوبه:
كان يعشق خطوط المرحوم هاشم البغدادي خاصة التعليق ، قلده لفترة طويلة حتى أنك إذا وجدت له قطعة بالتعليق تعتقد انه من تلاميذه المتقدمين ,فقد أبدع في النسخ والتعليق فضلاً عن الرقعة والديواني في وقت لم يكن ليجيدهما في الموصل إلاّ بضعة خطاطين تعد (تعليق على أسلوب هاشم سنة 1974) على أصابع اليد كان ذلك ا لعام 1974 . 
لم يكن ليستكثر النص ولا ليأبه به مهما كان طويلاً, فإنه أن أعجبه يباشر بدون أي تردد يسطر ويكتب وخلال ذلك اليوم أو الذي يليه يكتبه وينجزه ، حدث ذلك معه مع جميع الخطوط التي يجيدها . 
في العام 1995 أبدع قطعاً ولوحات وأحاديث تنتشـئ عند رؤيتها ، وكم كنت ألح عليه للاشتراك في مسابقات الخط العربي لمركز الأبحاث في استانبول، وقد أفلحت محاولاتي أخيرا واشترك بالمسابقة الخامسة(أيار 2000 ) 
كما أبدعت أنامله كتابة وخط خمس صفحات من القرآن الكريم بخط النسخ بعد الحاحي عليه للمشاركة بمسابقة كتابة( مصحف قطـر) والتي كانت آخر أعماله المتميزة في أواخر نيسان/2002بعدها داهمه المرض بشدة وقسـى عليـه
هذا وله قطع خطية كثيرة ومنتشرة في عدد من الجوامع والمساجد منها في جامع ألعبيدي ومسجد الشيخ ناظم العاصي في كركوك و مسجد شيخ الشط ومسجد بنات الحسن في الموصل ومساجد أخرى في تلكيف والقوش كان قد كتبها حسـبة لوجه الله تعالى ,وكانت وفاته ي يوم الجمعة الخامس من شهر شوال سنة 1424 هـ الموافق 28 شهر تشرين الثاني سنة 2003 م يرحمه الله برحمته الواسعه ويحشره مع الانبياء والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا وانا لله وانا اليه راجعون .
المقالة : منشورة على صفحات مجلة الموصل التراثية العدد (4) نيسان 2006 .