خطاطو الموصل المعاصرون .. سيرة ومسيرة
بقلم: د. محمد نزار الدباغ
احتوى كتاب "خطاطو الموصل المعاصرون" للمهندس والفنان والخطاط الاستاذ عبدالرزاق الحمداني على إهداءٍ ثم تقديم بقلم المؤرخ الأستاذ الدكتور ذنون الطائي مدير مركز دراسات الموصل، ومنه نقتطف قوله: "لا نغالي حينما نقول بأن مدينة الموصل هي إحدى أشهر الحواضر العربية التي أنجبت الخطاطين المبدعين الذين بزوا أقرانهم في أرجاء المعمورة"، ويضيف "وشهد الخط العربي منذ ستينيات القرن العشرين نهضة فنية هائلة في جماليات الخط بأنواعه المعروفة وتشكيلاته الأخاذة وروعة الخطوط التي ازدانت بها واجهات المساجد والجوامع والمحاريب والمنابر، على أن الاهتمام بذيوع الخط العربي وصل إلى المدارس الابتدائية والثانوية ضمن مفردات مادة اللغة العربية وبكراسات للخط العربي المقررة من وزارة المعارف ثم التربية".
وأوضح أن هذا "ما أدى إلى صقل العديد من المواهب الفنية وجعل اللغة العربية واقترانها بالخط العربي مادة محببة لدى الناشئة والجيل الجديد".
ومدح الطائي المؤلف قائلا: "وحسناً فعل المهندس عبدالرزاق الحمداني الذي كرس جهده لسنوات طوال في البحث والتتبع لآثار نخبة من رواد الخط العربي المعاصرين في مدينة الموصل، ولأعمالهم الفنية وحرص على تسجيل كل ما يتعلق بمسيرتهم الفنية الطويلة وجمعهم في مؤلف هو بمثابة سفر للخطاطين في مدينة الإبداع والمبدعين والفن والفنانين، فللحمداني كل التقدير على تلك الجهود المضنية التي بذلها وهو ليس غريباً عن جمهرة الخطاطين، فهو من مبدعي هذا اللون الفني الجميل. وهو ما اعطى لهذه الدراسة ثقلاً نوعياً وعلمياً وفنياً في التناول والسرد والعرض متمنين له المزيد من العطاء الفني والعلمي. خدمة لتاريخ العراق العظيم ومدينتنا الموصل الجميلة".
صدر الكتاب عن مركز دراسات الموصل بجامعة الموصل العراقية وتضمن سيرة ومسيرة حياتية وفنية لأكثر من ستين خطاطا موصليا معاصرا.
وقدم له أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية العلامة والمفكر الإسلامي الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل وجاء في تقديمه: "يتموضع الخط العربي في قلب الثقافة الإسلامية ويقدم مشاركة فاعلة في حمايتها والتعبير عن خصوصيتها واغتنائها بالعطاء المبدع. إنها وظيفة مركبة بما أن الخط الذي يحمل الحرف العربي يتمخض لمهمتين إحداها (عملية) تستهدف توصيل الخطاب بين الأطراف المتحاورة والأخرى جمالية تملأ الفراغ بعروضها المدهشة والمتنوعة ما بين الجلي ثلث والثلث والنسخ والتعليق والديواني والرقعة والكوفي... الخ".
ويضيف خليل: "مهرجان مثير للإعجاب للحرف وهو يتمايد ويتلوى ويعكس رؤية تجريدية تمثل واحدة من أكثر الفنون التشكيلية تألقا وصفاء. إن الإسلام وقد حرّم عبادة الأصنام بشكل قاطع وسد الطريق على أية ممارسة فنية تقود إلى حافات الصنمية هذا التحريم ما لبث أن تحول إلى طاقة فنية إبداعية فعالة متساوقة مع التصور الجديد".
ويرى أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية أن هذا المنع الذي احتفظ - كما يقول (مارسيه) في "الفن الإسلامي" - بكل قوته في تزيينات العمارة الدينية ولوازم العبادة وأثر على تطور الفن الإسلامي بأسره.
ويوضح أن "نخبة طيبة من مبدعي الموصل حُماة الحرف العربي والمتفننين فيما منحهم الله سبحانه من قدرة على التشكيل والتنويع، ذلك مايجده القارئ بين يديه.
ويشير خليل إلى أن ميزة الكتاب وخصوصيته التي أرادها له المؤلف أن تراجمه لخطاطي الموصل هذه لم تأخذ نسقا متشابها يكرر نفسه مع كل واحد من هؤلاء, وإنما هو غير وبدل في أسلوب العرض, وأدار كاميرته على جوانب هنا هي غيرها هناك وبهذا منح مُؤلَفه حيوية التركيب ومتعة القراءة في الوقت نفسه وطالما استدعى الخطاطين أنفسهم لكي يتحدثوا بأنفسهم عن تجربتهم الخصبة وعما صنعته أيديهم ويعرض نماذج من هذا الذي أبدعوه".
واختتم تقديمه قائلا: "ولحسن الحظ فان المؤلف نفسه هو واحد من هؤلاء الخطاطين المبدعين الذين يتحدث عنهم ولقد أتاح الفضاء المعرفي الواسع للمؤلف, وامتلاكه ناصية الأداة الأدبية والتعبيرية أن يعرض كتابه هذا بأسلوب مؤثر جميل وبقدرة ملحوظة على التقاط الحلقات الأكثر أهمية لبناء عمله وذلك فضل الله وحده يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".
وتبعت مقدمة المؤلف أرجوزة شعرية من ست وستين بيتا من الشعر لمؤلف الكتاب في تراجم خطاطي الموصل المعاصرين تبعتها سير الخطاطين المفصلة وحسب تقادمهم الزمني مبتدئاً بالشيخ الراحل فائق الدبوني والراحل محمد صالح الشيخ علي الطائي، مرورا بيوسف ذنون وحازم عزو العلاف وصولا لحسن قاسم حبش والشيخ الراحل علي الراوي ثم سالم عبدالهادي وعبدالباري محمد سلو وعمار عبدالغني ومروان حربي ثم اياد الحسيني وزكريا عبدالقادر وعلي الفخري وخليل إسماعيل وأكرم ذنون وعلي حسان ومحمد عبدالمطلب، ومختتما بالخطاطين محمد سلطان الطائي ومؤمن مصدق عبدالعزيز، وأعقبها ثلاث مقالات عن الخط والخطاطين في الموصل كان المؤلف كتبها ونشرها في أوقات سابقة في مجلات دورية وجاء الكتاب في مجلد واحد من القطع المتوسط وبعدد صفحات بلغ 348 صفحة.
وحمل غلاف الصفحة الداخلية لعنوان الكتاب خط المؤلف لها وقام الفنان التشكيلي حكم الكاتب بتصميم الغلافين الخارجي والداخلي للكتاب موضحا بنماذج خطية وصور للخطاطين الذين فاقت أعدادهم الستين خطاطا.
ويذكر أن المؤلف من مواليد الموصل سنة 1957 وحاصل على البكالوريوس الهندسة الميكانيكية/جامعة الموصل سنة 1979 وهو رئيس مهندسين أقدم منذ العام 2002 ومجاز من شيخ الخطاطين العثمانيين حامد الآمدي سنة 1978 وترأس الهيئة الإدارية لجمعية الخطاطين العراقيين / فرع نينوى (الموصل) بدورتها الخامسة وله أربعة كتب تتحدث عن الخط والخطاطين والخطاطات في الموصل منها كتاب "الموصل وجمهرة خطاطي النسخ أنموذجا" يحتوي على تراجم وسير فاقت في أعدادها المائة والعشرين مبدعا خطاطا وخطاطة من القرن الرابع الهجري ولحد الآن وطبع الكتاب في دار بن الأثير للطباعة والنشر بجامعة الموصل (ويحمل رقم الإيداع بدار الكتب والوثائق ببغداد (1319) لسنة 2011).
وللمؤلف العديد من البحوث الفنية والخطية والتراثية في الصحف والمجلات العراقية وهو باحث علمي وتراثي وحاليا عضو الهيئة الاستشارية لمجلة "الموصل التراثية" التي تصدر عن دار المازن للطباعة.